+A
A-

عمو.. انطيني ليرة!

قبل عدة أشهر كنت مسافرًا لدولة أوروبية، وكنت جالسًا في المترو ليقع نظري على طفل عربي حافي القدمين لا يتجاوز عمره 8 أعوام وهو يمارس التسول. في الحقيقة لم يكن هذا أول طفل أو آخر عربي رأيته يتسول هناك، وبغض النظر عما إذا كان محتاجًا أم لا، فالأمر يتعدى مشكلة التسول ليصل إلى المشاكل السياسية التي تعاني منها بلدهم. اقترب مني الطفل لينظر إلي بوجهه الشاحب ثم قال لي: “عمو.. انطيني ليرة”. حقيقة استغربت من الأمر ولم أجبه، وبدأت أسأل نفسي: “كيف سمحت أسرة هذا الطفل له بالتسول والشحاذة؟ ألا يخافون عليه؟ من يعلم، قد يكونوا محتاجين فعلًا، وكما يقال: “الي ايده في الماء مو مثل الي ايده في النار”، الأمر الذي أثار فيني تساؤلات لأحاول أن أجيبها من خلال حديثي مع الطفل. حاولت التعرف على حالته، فأخبرني بأن أبيه يعمل وأمه مريضة، وكل ما أسأله سؤال يجيبني: “عمو.. انطيني ليرة”، وكأنه مبرمج على هذا الجواب مثل الكمبيوتر! أخبرته بأن التسول عمل مشين، وهو نوع من الذل واستعطاف الناس، وأنه طفل ويجب أن يذهب ليلعب لا أن يتسول وهو حافي القدمين، وأن العمل يقع على عاتق والديه، وأنه يمكنه العمل بعد أن يكون رجلًا وليس في هذا السن، وبعد محادثة طالت إلى نصف ساعة، اعتقدت بأنه اقتنع في كلامي، إلا أنه أجابني وهو مصاب بنوع من الملل: “عمو.. انطيني ليرة”. بعد ذلك أيقنت بأن أسرة الطفل زرعت هذا التصرف في عقل الطفل وتبرمج عليه، ولعل جملة “عمو انطيني ليرة” تعكس الأفكار الخاطئة التي نتبرمج عليها ونحن صغار، لنجد أنفسنا متمسكين فيها من دون سبب، ولعل الحل هو إدراك هذه المشكلة ومحاولة تغييرها بالأفعال، وكما يقال: “من شب على شيء شاب عليه.”

 

مصطفى العديلي