+A
A-

السندات الملاذ الآمن وسط عاصفة الأسواق العالمية

تهافت المستثمرين على أسواق الأصول ذات الدخل الثابت

المخاوف المتعلقة بشأن النمو الاقتصادي عالمية

 

الجميع يقوم بشراء السندات الحكومية للاقتصادات المتقدمة، هذه هي الحقيقة الواضحة التي شهدتها الأسواق العالمية خلال الأسبوع الماضي، فعندما يشعر المستثمرون بالقلق يلجأون لتلك الأصول؛ كونها رهانا آمنا. وربما تكون السندات الحكومية أقل ربحا بالنسبة للمستثمرين عند المقارنة بأسواق الأسهم على سبيل المثال، لكنها تحمل أدلة مهمة بشأن الاقتصاد كما أنها ترسل إشارات تحذيرية بأن هناك مشكلة وربما عاصفة اقتصادية قادمة.

ومع تكالب المستثمرين نحو أسواق الأصول ذات الدخل الثابت، فإن العائد اتخذ منحنى هابط مسجلا مستويات لم يشهدها في عدة أشهر، وذلك بسبب وجود علاقة عكسية بين الأسعار والعائد على تلك الديون.

وخلال جلسات الأسبوع الماضي، تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لآجل 10 سنوات إلى أدنى مستوى في نحو 20 شهرا، كما انخفض العائد على ديون الحكومة الألمانية التي يحل موعد استحقاقها بعد 10 أعوام إلى مستوى قياسي متدني، وذلك في سياق التحول العالمي نحو الأصول الآمنة.

وعلى صعيد آخر، فإن العوائد في إيطاليا واليونان كانت تعاني تسجيل ارتفاع ملحوظ بالنسبة الأولى بسبب مشكلات أخرى تتعلق بالخلاف حول نسبة الديون للناتج المحلي الإجمالي، والأدنى في التاريخ بالنسبة للأخيرة وسط ترقب انتخابات مبكرة في البلاد.

وتجاوزت عوائد السندات الإيطالية لآجل 5 سنوات نظيرتها اليونانية في تعاملات الجمعة، في مشهد يحدث للمرة الأولى في أكثر من عقد من الزمن.

وتؤدي التحركات القوية في هذا السوق إلى تصاعد المخاوف بين صفوف المستثمرين بشأن ركود اقتصادي يلوح في الأفق في ظل عدم وجود إشارات حول تخفيف قوة الحرب التجارية.

تفاقم الحرب التجارية

ومع الحرب التجارية المتفاقمة بين الولايات المتحدة والصين، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب شن حملة أخرى ضد المكسيك تتضمن فرض تعريفات على السلع كافة، في خطوة تهدف لردع عمليات الهجرة غير الشرعية التي تتدفق للبلاد، ما أدى لخسائر حادة في قيمة عملتها “البيزو”.

وساهمت المخاوف من الآثار السلبية للحرب التجارية على النمو الاقتصادي العالمي إضافة للتوترات بين إيطاليا والاتحاد الأوروبي حول الديون، فضلا عن الافتقار لاتفاقية من شأنها تنظيم عملية البريكست، في إرسال عوائد سندات الخزانة الأميركية لأدنى مستوياتها منذ سبتمبر 2017 بالأسبوع الماضي.

وفي سوق سندات الخزانة الأميركية، فإن منحنى العائد انعكس بعد أن أصبح العائد على الديون الحكومية لآجل 10 سنوات أقل من العائد الذي توفره أذون الخزانة مستحقة السداد بعد 3 أشهر.

وينظر إلى استمرار انعكاس منحنى العائد، من الناحية التاريخية، على أنه مؤشر قوي بأن حدوث ركودا اقتصاديا أمرا محتملا في غضون فترة تتراوح بين عام إلى عامين، حيث إن كل ركود اقتصادي حدث على مدى الستين عاما الماضية سبقه انقلابا في منحنى العائد.

وكانت شهية المستثمرين قوية حيال الأصول الآمنة، حيث حقق الذهب كأحد ملاذات التحوط في فترات القلق مكاسب أسبوعية قوية تتجاوز 1.7 % إضافة لصعود ملحوظ في عملات الملاذ الآمن مثل الين الياباني والفرنك السويسري.

وفي المقابل، فإن الخسائر كانت السمة السائدة خلال الأسبوع المنقضي داخل أسواق الأسهم بفعل ابتعاد المستثمرون عن الأصول الخطرة، حيث انخفض مؤشر “نيكي” الياباني بنحو 2.4 %، كما تراجع كل من مؤشرات “وول ستريت” الثلاثة نحو 3 % مع هبوط ملحوظ داخل البورصات الأوروبية.

ومع الهبوط في العوائد، فإن احتمالات خفض معدل الفائدة زاد بدلا الفرصة المتساوية لخفض أو رفع الفائدة وذلك في اجتماع سبتمبر المقبل كما يتوقع بنك “جي.بي.مورجان” خفض الفائدة الأميركية مرتين بحلول نهاية 2019.

وتوجد فرصة بأكثر من 80 % لتنفيذ خفض لمرة واحدة على الأقل بحلول شهر ديسمبر، بحسب مؤشر “سي.إم.إيه” الذي يتبع تداول العقود الآجلة لمؤشر الاحتياطي الفيدرالي بعد أن كان المستثمرون يضعون احتمالية 63 % لتنفيذ مرتين بالخفض بحلول يناير المقبل.

تحذير من تباطؤ النمو

ويحذر آخرون من تقليل المستثمرين لاحتمالية حدوث ركود تضخمي (تسارع التضخم مع ركود الاقتصاد) داخل الولايات المتحدة، لكنهم يركزون بدلا من ذلك على تباطؤ النمو الاقتصادي، بحسب محلل في شركة “نوميرا”.

ويرى الاقتصادي محمد العريان أن مؤشر الدولار صعد إلى أعلى مستوياته هذا العام مع جذب العوائد المنخفضة لسندات الحكومة الأميركية الكثير من الاهتمام.

وأشار إلى أن هذا المشهد يعتبر بمثابة تذكير بأن المخاوف المتعلقة بشأن النمو الاقتصادي عالمية كما تحتفظ الولايات المتحدة بوضع عملتها الاحتياطية.

وتقوم الأسواق في الوقت الحالي بتسعير احتمالية خفض معدل الفائدة 3 مرات بحلول نهاية العام المقبل، في ظل استمرار انعكاس منحنى العائد، على حد قول العريان.

لكن على النقيض، يرى المؤسس المشارك في بيسبوكي للاستثمار “بول هيكي” في تعليقات مع شبكة “سي.إن.بي.سي” الأميركية أنه قد يكون هناك تحولا كبيرا داخل سوق السندات، حيث يستعد العائد على الديون الحكومية لآجل 10 سنوات للصعود مرة أخرى بعد أن أعاد اختبار مستويات متدنية ليقترب من 2.20 %. وأرجع “هيكي” رؤيته إلى أنه سيكون هناك حلا بين الولايات المتحدة والصين بشأن التجارة ما سيؤدي لانحسار المخاوف المتعلقة بالنمو الاقتصادي، وبالتالي ستتراجع التوقعات الحادة بشأن خفض معدلات الفائدة كما ترتفع العوائد.