+A
A-

من هو الفنان الصادق؟

تلقيت مكالمةً قبل بضعة أسابيع بدأت هكذا “ممكن أن نتكلم مع الفنانة...؟”، استغربت ثم ضحكت بسخرية طفيفة؛ لأنني لا أحب المسميات التي تحتاج وقتًا، أو على الأقل جهدًا واضحًا، لتُستحق. هل يستحق المرء مسمى فنان بعد مشاركة واحدة في معرضٍ فني أو مسمى كاتب بعد نشر مقال جيد؟ لا أؤمن بذلك.

لا أملك تاريخًا فنيًا بقدر العلوم والتقنيات والإدارة، لكنني أستطيع أن أختصر شغفي بالفن في مجلدين كبيرين ينتميان لطفلةٍ في الثمانينات، ترسم بحرية تامة وتجمع الأصدقاء حولها لرسوم شخصيات الكارتون بغية التلوين حتى تعاظمت المسؤوليات إلى الحد الذي لا تتنفس فيه الموهبة بشكلٍ سليم.

زرت معارض فنية كثيرة هنا، بعضها معدوم الشغف وبعضها لم أفهمه بتاتًا، فيما البعض الآخر أسرني تمامًا وحثني على المحاولة. من المعارض التي تركت أثرًا عظيمًا في روحي معرض “بقعة ضوء” للفنان البحريني الراحل ناصر اليوسف (رحمه الله) وذلك لـ 3 أسباب: الأول كان لتاريخه الفني قبل وبعد فقدان البصر، الثاني لأن الفنان متوفى وعليه ليس تحت دائرة الضوء المملة بقدر نشر الضوء في متلقي الفن والثالث للوصف الدقيق على أحد الجدران “الفنان الصادق ينتج من دون أن يضع أمامه نوع المدرسة أو اسمها.. من المفترض أن ينظر إلى العمل الفني على أنه عمل ذاتي بحت يصدر ويتكون عن طريق معاناة معينة.. جهد معين.. فكر معين.. وقت معين”.

إذًا، هل مَن يحول الفن من رسالة إلى تجارة فنان أيضًا؟ نعم لكن فقط عندما يحافظ الفنان على هويته كفنان فوق هويته كتاجرٍ أو محاسب أو دلال! لستُ ضد تحويل الفن إلى مصدر رزق، يعلم الله أننا نحتاج متنفسًا بين الحين والآخر من سجون المكاتب، لكن بشرط ألا يتحول الفن إلى هدفٍ ربحي بالمقام الأول أو انتماء يروج للمخمل فوق الورق.

لن يتطلب الأمر وقتًا إن بحثت في “غوغل” عن الفنانين الذين أحدثوا تغييرًا في العالم بعد وفاتهم أو ناموا في الفقر حتى آخر لوحةٍ غير مكتملة أو انتزعوا حياتهم دون هدف شهرة. لن أسرد الأسماء؛ لأن الأمر مفروغُ منه: من يصنع فنًا يبقى بعده لا يأتِ هكذا.. لا يأتِ من لا شيء. إذًا “معاناة معينة.. جهد معين.. فكر معين.. وقت معين” لفنٍ يبقى.. لفنٍ يحيا.. لفنٍ نتنفس به مواهبنا المهدورة.

منى جاسم العرادي