+A
A-

إجازة الولادة... لماذا لا ينالها الآباء أيضًا؟

الوضع الاقتصادي يقف دون طرحها خيارًا في قائمة التشريعات

مخاوف من استغلال الأب الإجازة في الترفيه بدل مساعدة زوجته

قانون العمل أعطى الحق للأب إجازة يوم واحد

المرأة البحرينية اعتادت اللجوء لأهلها بعد الولادة

زين الحسن: الأب يحتاج الإجازة لمساندة الزوجة

سارة باقر: من الأفضل أن يحدد الإجازة من قبل الخبراء

حسن الفرساني: الأب يستطيع القيام بدوره من غير إجازة

معتز البرديني: 3 أيام تكفي لقيام الآباء بأعباء للمولود

سلمان الحدي: تطبيق الإجازة بشرط أن تكون مدفوعة

 

مازالت فكرة إجازة الولادة للآباء محل استغراب البعض، فأجرينا تحقيقًا بشأن حاجة الموظفين لهذه الإجازة.

وتباينت الآراء التي تصب مجملها في أحقية الرجل في الحصول على “إجازة ولادة”؛ للقيام بأعباء رعاية الطفل الرضيع إلى جنب الأم.

كيف يرى المشاركون هذه القضية؟ وما رأي الخبراء؟ هذا ما يطرحه هذا التحقيق الصحافي.

 

موضوع متعدد الزوايا

أشارت نائب جمعية الموهبة والإبداع البحرينية زين الحسن إلى أنها سمعت عن الفكرة من قبل، إذ طُرحت من زوايا عدة بالنظر للأطراف المعنية وهي الأم والأب وصاحب العمل.

فيما قالت سارة باقر، طالبة صيدلة، إنها سمعت حديثا من قبل بشأن الموضوع، ولكنه كان مناقشة أكثر من كونه مطالبة.

أما حسن الفرساني، الموظف بوزارة الداخلية وخريج بكالوريوس قانون بامتياز، فذكر أنه لم يسمع من قبل عن ناشطين يطالبون بهذا الأمر، وإنما سمع بموظفين يطالبون به؛ لأجل التحايل على العمل.

وأشار طالب الإعلام في الجامعة الخليجية سلمان الحدي إلى أن الموضوع جدلي، فله مؤيدون ومعارضون.

 

منح إجازة ولادة للأب

أيّد سلمان الحدي منح إجازة للأب على أن تكون أقل من أسبوع واحد، فيما قالت سارة باقر إنها لم تهتدِ لفترة زمنية مناسبة للإجازة، وإن من الأفضل أن يتم تحديدها من قبل الخبراء والمختصين. أمّا زين الحسن فأشارت إلى أن الهدف الرئيس من إجازة الأم هي أنها تكون بحاجة لاستعادة صحتها، فهي بعد الولادة تكون بحالة لا تسمح لها بمباشرة عملها، وليس الهدف لأجل تربية الأبناء؛ لأن التربية تستمر مدى الحياة. والأم بعد الولادة تحتاج لمن يساعدها، وهنا فإن الأب يحتاج للإجازة لا لرعاية الطفل؛ بل لمساندة الأم.

أما الفرساني فأشار إلى أن دور الأب في فترة الرعاية لا يستدعي منحه إجازة؛ لأن الأم هي التي ترتبط بالمولود من أجل رضاعته ومتابعته. وتابع أن المولود في الأيام الأولى من ولادته يقضي معظم أوقاته بين رضاعة ونوم، ومن هذا المنطلق فإن دور الأب يأتي في دعم زوجته معنويًا، وهذا الدعم لا يحتاج إلى إجازة وإنما يخرج من القلب إلى القلب وإن كان الزوج بعيدًا عن زوجته.

وأوضع معتز البرديني أن قانون العمل في البحرين أعطى الحق للأب إجازة يوم واحد في حال وضعت زوجته. أما الأم فأعطيت إجازة طويلة؛ نظرًا لحاجتها الفسيولوجية للراحة وحاجة الرضيع الماسة لأمه في الأشهر الأولى من عمره.

 

آفاق لتشريع القانون

اتفق حسن الفرساني ومعتز البرديني على أنهما يرفضان هذه الإجازة، مشيرين إلى أنه في حال رغب الأب فبإمكانه أن يستقطع من إجازته السنوية؛ للجلوس مع زوجته في المنزل.

وأفصحت باقر عن أن الوضع الاقتصادي في البحرين ليس بأحسن حالاته مما يعيق تطبيق الفكرة، فيما أشارت زين الحسن إلى مؤسستين من الممكن أن تساهما في سن هذا القانون، وهما المجلس الأعلى للمرأة ومجلس النواب؛ لأن من ضمن صلاحياتهما سن وتشريع القوانين التي يحتاجها الشعب.

 

إجازة الولادة والتحديات

وعلى حد قول الحدي، فإن الإجازة لا تطبق إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون مدفوعة بالكامل.

ولا يمكن اقتطاع جزء من راتب الزوج؛ لأنه يعيش في فترة جديدة مع فرد جديد في أسرته.

وقالت سارة باقر إن من الإنصاف أن تكون الإجازة مدفوعة للأب، وعلقت زين الحسن بأنه لو كانت الإجازة مدفوعة جزئيًا فإن الأب لن يرغب في أخذها.

ولفت الفرساني إلى أن الإجازة إذا كانت رسمية فستتحمل الدولة دفع أجور كاملة للموظفين، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.

أما معتز فيرى أنه لا ضرر إن كانت الإجازة الممنوحة لفترة وجيزة كثلاثة أيام، ولكن إن كانت لفترة أطول فيجب دراسة سلبيات وإيجابيات هذه الإجازة للأب ولجهة العمل.

 

الإجازة والعرف الاجتماعي

ذكرت زين الحسن أن المرأة البحرينية اعتادت اللجوء لأهلها بعد الولادة، ولكن هناك حالات خاصة، على سبيل المثال حين تكون المرأة بعيدة عن أهلها أو لا ترغب بالتثقيل عليهم، فحينئذ من الممكن أن يقوم الزوج بمساعدتها ودعمها، كما أكدت الحسن أن الإجازة أمر متاح وليس إجباريا، فيستطيع الزوجان الاتفاق بما يلائم ظروفهما.

ومن جهتها، أشارت باقر إلى أن الجيل الجديد من المتزوجين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة يختلف تفكيرهم عن الجيل السابق؛ لأنهم يحاولون تربية الأبناء عن طريق توزيع مسؤوليات متساوية على الطرفين، وأن تكون الرعاية قائمة على الشراكة.

فيما رأى الحدي أن الأب البحريني عموما مستعد لرعاية طفله في حال منحت له الإجازة، أما البرديني فأكد أن من غير المنصف افتراض عكس ذلك، إلا أن الفرساني أشار إلى أن الأب البحريني تربى منذ صغره على أنه المسؤول عن العائلة والأم مسؤولة عن الرعاية، فإن تم منح الأب إجازة رعاية فإنه سوف يقضيها في الترفيه عن نفسه وليس في مساعدة زوجته.

ورغم أهمية الإجازة الأبوية إلا أن الوضع الاقتصادي يقف دون طرحها خيارًا في قائمة التشريعات.

ولذلك فإن الاهتمام اليوم يجب أن يكون منصبا على الحالات الخاصة من الأطفال إضافة إلى تشجيع الآباء على تخصيص جزء من إجازاتهم السنوية؛ ليقوموا بدورهم الفاعل أزواجًا وآباءً.

 

جبيل: يربك جهة العمل

رأى الباحث القانوني بديع جبيل أن المجتمع لن يتقبل فكرة حصول الأب على إجازة ولادة، فكل ما يحتاجه المولود في أيامه الأولى تلبّيه الأم بحكم طبيعتها. وذكر أن العرف الاجتماعي درج على أن الأم حين الولادة تكون في كنف أهلها الذين يحيطونها بالرعاية والاهتمام. ومن جانب آخر، فإن سبل الراحة وتلبية مستلزمات الأمور باتت على درجة من اليسر، وفتاة اليوم قادرة على إدارة هذه المرحلة بكل اقتدار متى ما أصبحت أمًّا.

وأضاف جبيل أن منح إجازة ولادة قد يحدث إرباكًا لدى جهة العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص، ومن المهم تحديد مدة الإجازة والضابط الذي يُرتكن إليه في تحديدها، إذ يختلف الأمر من حالة إلى أخرى، كالأب الذي يُنجب له توأم (اثنان أو أكثر)، مولود سليم معافى، أو مريض ذو إعاقة، فكل حالة يلزم النظر إليها عند تحديد مدة الرعاية المستحقة للأب الموظف.

وأشار الباحث القانوني إلى أن اللائحة التنفيذية لقانون ديوان الخدمة المدنية منحت الأم الموظفة التي تضع مولودًا إجازة وضع براتب كامل شامل لجميع العلاوات لمدة 60 يومًا يبدأ سريانها من اليوم الأول للوضع، كما منحتها عند عودتها للعمل ساعتي رعاية يوميًا براتب لإرضاع مولودها حتى يبلغ من العمر عامين، ومثله أيضًا في قانون العمل في القطاع الأهلي الصادر بموجب القانون رقم (36) لسنة 2012، كما منحها القانونان إجازة لمدة 15 يومًا قبل الوضع في حال استدعت حالتها الصحية ذلك.

ورأى أنه لا جدوى بمنح الأب الحق ذاته في ظل الرعاية التي منحها القانون للأم، فعدد الإجازات والتغيب عن العمل سيرتفع في القطاعين، ومن شأن ذلك إحداث إرباك في بيئة العمل عموما. وعلاوة على ذلك، فإن الأب في هذه الحال سيستغل الإجازة إما للسفر أو للراحة بعيدًا عن جو العمل.

 

جعفري: الإجازة تؤثر على أداء المؤسسات

أشار الرئيس التنفيذي لمؤسسة جافكون لتحسين الإنتاجية أكبر جعفري إلى أننا في البحرين لسنا بحاجة إلى إجازة ولادة للأب؛ لأننا مجتمع متماسك، وتحصل الأم على إجازة ولادة بوجود أهلها، كما تم تمديدها من 45 إلى 60 يوما، وتستطيع إضافةً إلى ذلك أن تمدد إجازتها بإجازتها السنوية، وبهذا قد تصل الإجازة إلى 90 يوما.  وتابع بأنه يجب ألا نضخم الموضوع، فإن الغرب لا يحصلون على إجازة مرضية. ونرى ذلك في قانون العمل الأميركي، إذ لا يحتوي على إجازة مرضية ولا ولادة ولا سنوية، وإنما تكون الإجازات مكرمات من الشركات. بينما في البحرين فهي كلها مسنونة قانونا وليس مكرمات. وتعطي المؤسسات في بعض الحالات “إجازة رحمة”؛ رعاية لحال الأب؛ للاعتناء بزوجته وطفله المريضين.

وأشار إلى أن الإجازة ستؤثر على أداء المؤسسات من ناحية غياب الإنتاجية، وهذا لا يصب في صالح المؤسسة ولا في صالح المواطن. فلو كان كل الموظفين في إجازات مرضية أو ولادة فإن أداء المؤسسة سيتعرقل وستبدأ بالخسارة، وإن خسرت ستغلق، وإذا أغلقت فإن الموظفين هم المتضررون. غير أنها لا تمس حالة واحدة أو اثنتين، فإن نصف عدد المواطنين إناث، فإذا كان نصفهم في حالة ولادة وأخذ رجالهم إجازة فسيحصل نوع من الركود في الاقتصاد والإنتاجية بالذات. وبين جعفري أن حالة حقوق الموظفين في البحرين أكثر من مرضية مقارنة مع كثير من دول العالم، فقانون العمل البحريني منصف جدًا ويمنح إجازات ورواتب متساوية بين الجنسين.

 

آل محمود: الموضوع يحتاج تقنينًا

قالت مدير دار الأمان لضحايا العنف الأسري هدى آل محمود إن من الجيد أن يشارك الأزواج المقبلون على الأبوة في تحمل المسؤولية، خصوصا إذا كانت الزوجة تنجب للمرة الأولى وليس لديها أهل أو أصدقاء للعناية بها.

ورأت آل محمود، الحاصلة على ماجستير علم الاجتماع، أن الموضوع يتطلب تشريعًا وقانونًا، كما يحتاج إلى أموال تُرصد لهذه الإجازة، والأهم تقبل الفكرة من الآباء والالتزام بالإجازة لمساعدة الأم الجديدة وتقديم العون لها.

وقالت مدير دار الأمان: إذا كان هناك وعي بين الأزواج، خصوصا الشباب، بأهمية الإجازة لتقاسم المسؤولية بين الطرفين وكونها فرصة للتقارب بينهم والتعرف على أهمية وجود الأبوين للعناية بالطفل منذ أيامه الأولى، ففي هذه الحالة أعتقد أن الفكرة جيدة بل ممتازة، فقط في ظل شروط وضوابط ومعايير.

واعتقدت أن الفترة المناسبة للإجازة تتراوح بين شهر وشهرين؛ للتكيف والمساعدة من الأب والتشافي من الولادة للأم. وتصورت أن الموانع الحالية لتطبيق الموضوع تكمن في تقييم الجدوى الأسرية والمادية والمجتمعية لهذه الإجازة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.

وقالت: يتوقف الأمر على كون الإجازة مدفوعة بالكامل أو لا، وعلى كيفية إدراج كُلفة الإجازة في ميزانيات الوزارات والهيئات والشركات ومدى استعدادها لتغطيتها، وعدد الولادات التي ستقوم بقبول تغطيتها، ففي مجتمعاتنا تميل الأسرة إلى إنجاب عدد كبير نسبيًا من الأطفال بخلاف الغرب، وهذا سيزيد العبء على الميزانيات.

وتابعت بأن الموضوع يتطلب دراسة جدوى له من مختلف الزوايا؛ حتى يمكن طرحه للمناقشة الجادة وتبنّيه، مع علمها أنه لن يُشكل أولوية كما هو في الغرب؛ لأن مجتمعاتنا تتمتع بعلاقات وروابط أسرية قوية في الغالب الأعم، وتجد الأم الجديدة كل الدعم والمساندة من أسرتها وأسرة زوجها وأقربائها والأصدقاء، بما يخفف العبء على كلا الزوجين في الشهور الأولى لولادة الطفل على الأقل.