+A
A-

مدير الأرشيف الإماراتي: مبادرات السعادة تعزز الولاء

المواريث الثقافية الدخيلة تحاصر الأجيال الخليجية

التواصل مع الآباء والأجداد مهم وتعليم “السنع” للأبناء

 

قال المدير العام للأرشيف الوطني الإماراتي عبدالله الريسي إن تجربة المناهج الدراسية بدول الخليج العربي مبعثرة، ومشتتة، بتحدٍ كبير، سواء على الوطن أو القيادة”. وأوضح الريسي في حوار أجرته معه “البلاد” بأن تعزيز مفهوم الهوية الوطنية يتطلب خطة إستراتيجية واضحة، مبنية على خطط وبرامج الحكومة، والتي تبدأ من الحقل التعليمي، وتمتد للحقول الأخرى. وأضاف “في المرحلة الحالية، صار البعض يتشربون من الغزو الثقافي، ووسائل التواصل الاجتماعي الغارقة بالثقافات المتنوعة، وأيضا الثقافات الدخيلة في أوطاننا، والتي يمكن ملاحظتها بوضوح من خلال التفاوت الكبير بين عدد المواطنين والوافدين والمقيمين”.

بادرة إماراتية

- تتصدر قضية تعزيز الهوية الوطنية أولويات العمل الوطني الإماراتي كإستراتيجية ثابتة، لا تتحمل التأخير أو التغيير، كيف كانت البدايات؟

البداية، كانت بالبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في العام 2008، بأن يكون عام الهوية الوطنية، وعليها بنيت الأجندات الوطنية، ورؤية دولة الإمارات بإستراتيجيات عدة، أهمها الهوية الوطنية، كإحدى الركائز الأساسية في العمل الوطني، خصوصا بعد التحولات الأخيرة، السياسية منها، والفكرية، والاقتصادية، وطفو الأيديولوجيات الدينية المغلوطة على السطح.

 

تفاوت بين المواطن والمقيم

الهوية الوطنية هي أم القضايا، وعلى أساسها ينمو المجتمع، وتتعزز علاقات أبناء البلد، هل تصنفها خليجيا بالظاهرة؟ وما أهمية احتياجات المرحلة؟

هي ظاهرة، ولأن مسألة الهوية الوطنية بالسابق، كانت طبيعية للغاية، والجيل السابق كان ولاؤه التام للوطن، وللقيادة، لكن في المرحلة الحالية، صار البعض يتشربون من الغزو الثقافي، ووسائل التواصل الاجتماعي الغارقة بالثقافات المتعددة، وأيضا الثقافات الدخيلة في أوطاننا، والتي يمكن ملاحظتها بوضوح من خلال التفاوت الكبير بين عدد المواطنين، والوافدين والمقيمين، منها على سبيل المثال الإمارات، والتي تحتضن أكثر من 200 جنسية، بثقافات وعادات وقيم مختلفة.

وعليه، فليس أمامنا هنا سوى حلين، أن نتشرب منهم، ونأخذ من ثقافاتهم، ونستحدث على أثرها فكرا جديدا، وحديثا، أو أن نحتضن الموجودين، ويأخذوا هم من ثقافتنا، ويعملون على أثرها، ومن خلالها، وهنا يكمن التحدي، الذي يتطلب خطة إستراتيجية واضحة، مبنية على خطط وبرامج الحكومة، والتي تبدأ من الحقل التعليمي، وتمتد للحقول الأخرى.

 

- ما أهم تجليات الهوية الوطنية في المجتمعات الخليجية؟

بالمجتمعات الخليجية، هنالك عادات وتقاليد راسخة، هنالك موروث موجود، ومتأصل، يتوجب نقله لأجيال المستقبل، ومن المهم أن يعي الجيل الجديد كفاح الآباء والأجداد، فهذه الملامح يجب أن تؤصل؛ لأن المواريث الثقافية الجديدة، والدخيلة، تحاصر الأجيال الحالية، وتحاول أن تتغلغل بهم، وأن تؤثر بهم.

 

- هل يمثل الزي الوطني أساسا لها؟ كيف نستطيع أن نروج له كإرث دائم ومستمر، قبالة تمدد موجة العولمة؟

الزي الوطني مظهر من مظاهر الاعتزاز بالهوية، لكن لا دخل له بالانتماء للقيادة أو الوطن، التركيز يجب أن يكون على السلوكيات، بإتقان العمل، والدخول في الأعمال التطوعية التي تصب في صالح الوطن والمواطن، وعليه فما المنفعة، ممن يرتدي الزي الوطني، لكنه لا يترك أي بصمة أو خدمة تذكر في البلد.

 

دور الأسرة

- كيف نستطيع أن نكوّن أسرة المواطنة، القائمة على الأسس التربوية الصحيحة؟

الأسرة لها دور كبير، لحاجة المجتمعات لقيم عليا، والتواصل مع الآباء والأجداد ولو ساعة واحدة باليوم، يستذكر من خلالها الوطن، وأهم محطاته التاريخية، ونعلمهم “السنع”؛ لأن الأجيال الجديدة تحتاجه بشكل مستفيض.

وفي الإمارات، أعدت وزارة الثقافة برنامج (للسنع)، إيمانا بأهميته، فلك أن تتخيل الولد حين يدخل على أبيه، ولا يقبل رأسه مثلا، أو قد لا يسلم –من الأصل- وهو مشغول بالموبايل، وقد يفتقر كذلك لثقافة مواجهة الناس، وإلقاء التحية.

وعليه فدور الأسرة، سواء في مراقبة الأبناء، وفي سلوكياتهم، لهو بالغ الأهمية، حتى يكونوا على قدر واف من الوعي، والنضج والتحصن من هذه الأفكار وتلك.

 

عجز المدرسة

- هل ترى تجربة المناهج في دول الخليج، فيما يتعلق بتعزيز الهوية الوطنية ناضجة؟ وبم تنصح.

لا أرى أنها ناضجة، بل أجدها مبعثرة، ومشتتة، لا يوجد هنالك تركيز في المناهج على هذا الجانب، وعليه فإن التحدي كبير، سواء على الوطن أو القيادة، والأساس هنا هو المدرسة، وكنا نسمع ونردد دائما بأن مسؤولية التربية متناصفة بين المدرسة والبيت، لكن واقع المرحلة الآن أن المدرسة غير قادرة على أن تودي دورها التربوي.

كما أن البيت فقد دوره في التربية؛ لأن “الموبايل” ووسائل التواصل الاجتماعي هي المربي الجديد الآن بعد أن دخلت البيوت، وأصبحت جزءا أصيلا وأساسيا من يوميات الشباب، وتشكل ثقافة الفرد.

المرحلة الراهنة صعبة، تحدياتها كبيرة، خصوصا وأننا مستهدفون بثرواتنا، المادية والبشرية، وفي إمكاناتنا، ووجودنا، والإشكالية الكبرى هنا أن هذا الاستهداف يبدأ بجارك، بمن هو قريب منك، والذي يحاول النيل منك، بدعم مباشر من دول الإقليم، والغرب، الذين يحسدوننا على الثروات، في حين يتمرغون هم بالمشكلات الاقتصادية والمجتمعية المختلفة.

إلى ذلك، فإنه وحتى ديننا الحنيف، أصبح –بسببهم- دين تشكيك، وبأنه ليس معتدلا، أو وسطيا، حيث جاؤوا بمفاهيم خاطئة جدا عنه، وحشروا في يوميات الشباب؛ لإدراكهم بأنه “المدخل” الأقرب للنفوس، والأسهل للسيطرة على عقول أبنائنا ومقدرات أوطاننا، ولقد نجحوا بفترة من الفترات بتحقيق ذلك، وهو ما أفرزته الجماعات المتطرفة والعنيفة، لكن الواقع مخالف الآن.

 

نسب طلاق مخيفة

- يرى البعض أن تكاليف الزواج، واصطدامه في الواقع، يؤثر على ترسيخ مفاهيم أسرة المواطنة، ما رأيك؟

كلام صحيح، فالمبالغة بتكاليف الزواج، تؤدي لعزوف الشباب عن الزواج من بنت الوطن، والأدهى من هذا، أنه وبعد الزواج، لوحظ تنامي الطلاق، وبنسب مخيفة جدا؛ لأن هنالك مجموعة من الثقافات ليست من عندنا، لكنها مرغوبة لدى الشباب، فيحاول المتزوجون حديثا استنساخها بعلاقتهم الزوجية، ومنها فتن تعرض بالتلفزيون والأفلام، ما يؤدي لحدوث الطلاق.

وقضية غلاء المهور بدأت تخف، مع خروج مرسوم من جانب رئيس الدولة، المرحوم الشيخ زايد آل نهيان، والذي حدد المهر بعشرين ألف درهم، وثلاثين ألف للمؤخر، كما تم إنشاء صندوق لمساعدة المتزوجين حديثا، بمبلغ 70 الف درهم لك من يريد الزواج من مواطنة، وأيضا الأعراس الجماعية، والتي تتحمل كلفتها الحكومة.

كما أن هنالك ظاهرة جديدة، وهي مبادرات التجار، والذين يتكفلون بنفقات الأعراس الجماعية، مرغبين بذلك الشباب على الزواج، ومع ذلك فإن نسبة الطلاق لدينا لا تزال مرتفعة، وملحوظة، وبنسبة تصل إلى 60 %.

 

- ما أهم الأهداف والمصالح والمزايا التي تكون عامل جمع وقوة للهوية الوطنية؟

الهدف الأسمى لمفهوم الهوية الوطنية، هي السعادة والقناعة والرضا النفسي للمواطن، وعليه خرجت الإمارات بمجموعة من المبادرات، كالسعادة، والخير، والعيش الكريم، والتي تهدف كلها بأن يكون المواطن مرتاحا، وسعيدا في حياته، مما سيكوّن أرضية لأن يكون ولاؤه الدائم للوطن والقيادة.