+A
A-

الرحلة النبيلة لحملة جوائز نوبل إلى البحرين

إنه لحدث نادر أن تجد شخصيات متميزة إلى هذه الدرجة في كفاحها من أجل السلام العالمي الوقت الكافي للتجمع والمشاركة في تجربتهم مع العالم العربي. وكان شيئا عظيما حقا أن يتاح لشعب البحرين مثل هذه المناسبة للتفاعل مع الأفكار الهادفة إلى جعل العالم مكانا أفضل لنشر السلام.

وبالنسبة لي، فإنني أرجو أن تظل الفرصة للقيام برحلة دبلوماسية أخرى إغراءً متاحا بالنسبة لي لوقت طويل في المستقبل. وعلى هذا الأساس، فقد رحبت أيما ترحيب بالدعوة التي تلقيتها لزيارة البحرين في الفترة من التاسع إلى الثالث عشر من سبتمبر؛ باعتباري الرئيس السابق لتيمور الشرقية الحائز جائزة نوبل للسلام كبير مستشاري هوزي راموس-هورتا. وقد نجح هوزي راموس-هورتا في جعل العالم بأكمله يؤيد مطلب الحرية لبلاده، وهو الدور الذي كرمته من أجله لجنة نوبل للسلام عام 1996. وكان هوزي راموس-هورتا يشغل منصب وزير خارجية بلاده عند استقلالها عام 2002، ثم تقلد بعد ذلك منصب رئيس الوزراء وانتخب رئيسا للجمهورية عام 2007.

ومن دواعي سعادتي بالمشاركة في هذه الزيارة إلى مملكة البحرين أن رئيسي جمهورية سابقين حائزين على جائزة نوبل سيكونان في البحرين أيضا، ألا وهما فريدريك ويليم دي كليرك الذي وضع يده في يد نلسون مانديلا، زعيم المؤتمر الوطني الإفريقي؛ لإنهاء نظام الفصل العنصري، وليخ فاليسا الذي قاد حركة تضامن لنقابات العمال في بولندا، والذي إشارة البدء للتحول الذي أدى إلي انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وأصبح بعد ذلك رئيسا لجمهورية بولندا.

وكان في البحرين أيضا في هذه المناسبة كايلاش ساتياراثي، وهو ناشط هندي يكافح منذ أكثر من 30 عاما من أجل رعاية الأطفال، وبصفة خاصة لتحرير الأطفال القابعين تحت نير العبودية. وقد شارك في جائزة نوبل عام 2014 مع مالالا يوسافزاي، الناشطة الباكستانية في مجال حقوق الإنسان وتعليم النساء. أما الضيفة الخامسة الرئيسية، فهي البروفيسور أنا تيبايجوكا، الرئيسة السابقة لبرنامج الأمم المتحدة للتجمعات السكانية والتنمية المستدامة للمناطق الحضرية، وهي أيضا وزيرة سابقة في تنزانيا، وتعتبر بحق قائدة في مجالها.

والجدير بالذكر أن تسع شخصيات إفريقية فقط حصلت على جائزة نوبل من بين ما يقارب من مئة من الحائزين على تلك الجائزة منذ بدايتها عام 1901. وتتقدم أوروبا القائمة بخمسين حائزا على الجائزة، في حين حصلت الولايات المتحدة بمفردها على عشر من تلك الجوائز. ومن بين الأمريكيين الحائزين عليها ثلاثة من أصل أفريقي ألا، وهم رالف بانش ومارتن لوثر كنج والرئيس باراك أوباما. أما بالنسبة لإفريقيا، فقد حصلت جنوب إفريقيا على أربع من تلك الجوائز بدءا من ألبرت جيكوب لوثولي، الذي كان وقتها رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي المحظور، والذي حصل على الجائزة تقديرا لكفاحه السلمي على طريقة الزعيم الهندي غاندي لإنهاء نظام الفصل العنصري، ثم الأسقف ديزموند توتو الذي حصل على الجائزة عام 1984 لكفاحه من أجل حقوق الإنسان من على المنبر الكنسي. أما نلسون مانديلا ودي كليرك، فقد شاركا في الجائزة عام 1993 لدوريهما في إنهاء نظام الفصل العنصري.

وقبل حصول مانديلا ودي كليرك على الجائزة مناصفة، شارك أنور السادات بصفته رئيسا لمصر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين في الجائزة عام 1978؛ لتوقيعهما على اتفاقية كامب ديفيد التي توسط فيها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. ولكن لم تحظ تلك الاتفاقية باستحسان الكثيرين من العرب واعتبرت من بين الأسباب المحتملة لاغتيال السادات فيما بعد.

وشارك كوفي عنان من غانا عام 2011 في الجائزة مع منظمة الأمم المتحدة التي كان يرأسها. بالإضافة إلى ذلك حصلت الراحلة  وأنجاري ماثاي من كينيا على الجائزة عام 2004 لجهودها في حماية البيئة في بلادها لتصبح أول امرأة تحصل على الجائزة، وبذلك تسهم في توسيع مفهوم السلام لدى لجنة نوبل. ولم تقم فقط بزرع الملايين من الأشجار وتحفيز الآخرين على فعل نفس الشيء لعشرات السنين، بل تم الحكم عليها بالسجن لدفاعها عن المساحات الخضراء ضد التعديات من جانب أفراد ومنظمات نافذة في كينيا.

وفي عام 2011 شاركت ليماه جبووي والرئيسة إلين جونسون سيرليف، وكلاهما من ليبريا في الجائزة. وأثار ذلك جدلا واسعا، حيث بدا أن لجنة نوبل أصبحت ذات اتجاهات سياسية وتدخلت في الانتخابات في ليبريا بمنحها الجائزة لرئيس حالي يسعى لتجديد ولايته عشية الانتخابات، وبالإضافة إلى ذلك تعرضت الرئيسة إلين جونسون سيرليف للانتقاد على أساس أنها كانت “والدة” الجولة الأولى من الحرب الأهلية في ليبريا، وهو ما دعا لجنة الحقيقة والمصالحة الليبيرية إلى أن توصي بمنعها من مزاولة السياسة لمدة طويلة. وأدى تجاهل لجنة نوبل لتلك التطورات إلى إثارة قلق الكثيرين، وبالذات في ليبريا.

وعلى أية حال، فقد كان شيئا مهما أن أشارك في وفد به أربعة من الحائزين على جائزة نوبل للسلام. وتزداد هذه الأهمية عنما يشركوننا في تجاربهم واقتراحاتهم لتقوية السعي نحو السلام والتنمية في عالمنا. وتم التحدث باستفاضة عن هذا الموضوع أثناء الاجتماع الذي عقد بعد الوصول وفي المأدبة الرسمية التي أقامها رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الذي دعا إلى القيام بجهود مخلصة للتعامل مع الأسباب الجذرية للصراعات؛ وذلك من أجل دفع التنمية في العالم. كما تحدث من نفس المنظور حول رغبة البحرين في نشر التسامح والتعايش السلمي.

وفضلا عن الفرصة التي أتاحتها الوجود في البحرين لمقابلة والتفاعل مع العديد من القادة البحرينيين المثيرين للاهتمام وآخرين من مختلف أنحاء العالم، فقد حظينا بالتعرف عن قرب على الإنجازات الإيجابية للقيادة البحرينية في استغلال الثروة البترولية المحدودة نسبيا والدعم المادي من المملكة العربية السعودية في حفز التنمية بالرغم من التحديات.

ووجد الرئيس ليخ فاليسا الوقت لحضور قداس كاثوليكي، وهو ما أكد التسامح الديني السائد في البحرين. ونظرا لوجود جالية كبيرة من العمالة الفلبينية المغتربة في البحرين، فإنه يتم ممارسة الشعائر الكاثوليكي علانية في حرية، بخلاف ما يحدث في دول أخرى قد يؤدي فيها ذلك إلى مشاكل كبيرة. ويعتقد أن الهنود يمثلون أكبر جالية مغتربة في البحرين، وعلى هذا توجد معابد للهندوس وكذلك معابد يهودية للعائلات اليهودية القليلة التي بقيت في المملكة.

وكان من المفاجآت التي صادفتني أثناء زيارتي أمسية قضيتها في مركز جمعية أهلية خاصة، ألا وهي مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والأبحاث. وفضلا عن استضافة تجمع للمجتمع الدبلوماسي في المنامة، كان المركز مهتما بصفة خاصة بالاستماع لاثنين من كبار الشخصيات العالمية، ألا وهما الرئيس هوزي راموس-هورتا، والبروفيسور آنا تيبايجوكا، وهما يتحدثان عن تجربتيهما.

وتجدر الإشارة إلى أن البحرينيين هم أول من ابتدع فكرة إنشاء صندوق ثروة سيادي من عائدات النفط في الثلاثينات من القرن الماضي، عندما تم توجيه ثلث العائدات إلى الاستثمارات الخارجية ومثلها إلى تنمية البحرين ونفس النسبة للحوكمة، وأدرك الآن أن النرويج لم تكن الدولة الأولى التي لقنت العالم الدروس في هذا المجال. كما يعلم ذلك أيضا هوزي راموس-هورتا الذي يكاد يعتقد أن شرق تيمور كانت الدولة الثانية التي حذت حذو النرويج في هذا المجال، والذي يدرك الآن أن البحرين كان لها شرف إنشاء صندوق ثروة سيادي قبل النرويج بوقت طويل.

وكما أسلفت، فإنه حدث نادر أن تجد شخصيات لها مثل هذا الباع المشهود في جهود السلام العالمي الوقت لتجتمع سويا وتتقاسم عصارة تجاربها مع العالم العربي. وكان شيئا عظيما أن يتفاعل البحرينيون مع هذه الأفكار الهادفة لجعل العالم مكانا أفضل لنشر السلام. وأنا شخصيا أرجو أن يقوم أولئك الحائزون على جوائز نوبل بإظهار مزيد من الإصرار حول ضرورة إحلال السلام في منطقة الخليج، حتى وإن كانت القوى الكبرى والأمم المتحدة لا تقوم حاليا بما يكفي لضمان هذا. فلا يوجد هناك صراعات لا يمكن اللجوء فيها إلى الحوار. وقد تبدو الوساطة في مثل هذه الأمور غير سهلة، ولكن من الممكن لجهود الوساطة أن تكون ذات نفع في أوقات قد لا يمكن توقع نتائج إيجابية فيها. ربما يكون من الصعب التوصل إلى حلول فورية أو الوصول إلى تقدم، ولكن لابد من الاستمرار في بذل الجهود النشطة لمحاولة المساعدة في ذلك.

 

* بابافيمي أ. باديجو، الحاصل على شهادة الدكتوراة، هو رئيس سابق للشئون السياسية في بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي المشتركة لحفظ السلام في دارفور بالسودان