+A
A-

حسن فضل... كرة بيضاء في وجه “نقص الكالسيوم”

كنت أعيش أيامي قبل العلاج في الكفاح مع المرض

المرض هزمني مرةً وأقعدني عن الدراسة الجامعية

لم يعد المرض يؤثر على حياتي بعد العلاج الجديد

لا أساليب للوقاية من المرض وليس له علاقة بالوراثة

 

لكل منا حكاية، وحكاية “عاشق الكالسيوم” - كما يحب أن يطلق على نفسه - لاشك مختلفة عن الكثير من الحكايات.

وكما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي “على قدر أهل العزم تأتي العزائم”، فقد جسد الشاب حسن فضل هذه العبارة أيما تجسيد، حين استطاع أن يهزم آلامه التي اجتاحت بدنه الضعيف منذ نعومة أظفاره، وتغلب على ذلك التحدي الصعب، ليتحرر من أسر عشقه لحبوب الكالسيوم، ويغدو كرة دم بيضاء تقاوم ذلك المرض في كل بقعة ألم في عالمنا العربي.

بدأت حكايته مع مرض الهايبوباراثايرويد (ينتج عن قصور في الغدد جارات درقية، مما يتسبب في نقص الكالسيوم) حينما كان في الخامسة من عمره، ليؤسس بذلك لصراع دام سنوات بين عزيمته الجامحة، أو الانهزام أمام ذلك التحدي.

والغريب أن نقطة التحول لدى ذلك الشاب جاءت في الوقت الذي أعلن فيه الأطباء المشرفون على علاجه أنهم عملوا كل ما باستطاعتهم، وأن ليس بمقدورهم عمل ما هو أكثر من ذلك، ليدفعه ذلك بقوة نحو البحث عن حلول خارج الصندوق كما يقال.

وفعلا، فقد استطاع بعزيمته وإصراره أخيرا اقتناص فرصة العلاج من خلال الموقع الإلكتروني للجمعية الدولية للمرض، التي انضم إليها ومنها بدأت رحلة علاجه، ونقطة التحول من كونه عاشقا للكالسيوم إلى سفير له في المنطقة.

وكان لـ “البلاد” اللقاء التالي مع الشاب حسن فضل:

 

حدثنا قليلا عن الجمعية الدولية المعنية بمرض الهايبوبارثايرويد، إذ إنك أحد أعضائها؟

- تضم الجمعية عدداً من الأعضاء من مختلف بلدان العالم، كبريطانيا والبرازيل وألمانيا وآيسلند وأستراليا، وغيرها، ولدينا تجمع سنوي في الولايات المتحدة الأميركية.

وأما المؤتمر السنوي للجمعية، فكان من بناة أفكاري، حيث طرحت الفكرة في البداية على إحدى المريضات تدعى هلا رث، وهي بدورها خاطبت والدتها  الطبيبة، ومن ثم تم مخاطبة رئيس الجمعية، إلى أن تم الاتفاق على كل تفاصيل المؤتمر الذي عقد حينها في العام 2007، ولا يوجد لدينا يوم محدد لهذا الاجتماع السنوي.

 

كيف تصف لنا حياتك قبل العلاج؟

- سابقا، كنت أعيش أيامي في الكفاح مع المرض، حيث كان يأخذ جزءاً كبيرا من وقتي.

كنت أقاوم المرض بكل ما أوتيت من قوة لأستكمل دراستي، حيث استطعت أن أتم دراستي الثانوية وأدخل الجامعة في العام 2000 بتخصص الهندسة الكهربائية، إلا أن المرض في نهاية المطاف استطاع أن ينتصر علي وأتوقف عن الدراسة مؤقتا في حدود العام 2003 حتى أحصل على العلاج.

ولما حصلت على العلاج عدت إلى الجامعة مرة أخرى في العام 2007، لأدرس في التخصص التطبيقي، ونظرا لارتفاع معدلي سمح لي بمواصلة الدراسة، فاخترت دراسة الأدب الإنجليزي.

ونظرا لكون وضعي الصحي لم يكن مستقرا تماما، حيث كنت لم أتأقلم بعد مع العلاج الجديد، فاستمرت انسحاباتي إلى أن استنفدت كل الفترة المتاحة لي للدراسة، ففصلت في نهاية المطاف في العام 2016.

 

إن كانت الجامعة على علم بمرضك، هل لمست من مسؤوليها تعاونا معك بهذا الشأن، وكيف؟

- للأمانة، كانت الجامعة على علم بالأمر، وتعاونت معي إلى أقصى الحدود، إلى أن استنفدت معي كل الإمكانات المتاحة لها لأستمر في الدراسة.

 

ماذا بشأن مستقبلك الدراسي بعد الفصل؟

- أنا أسعى الآن لأن تتاح لي الفرصة للعودة إلى الدراسة في إحدى الجامعات الخاصة.

 

حاليا، كيف تقضي يومك؟

- يومي مقسم بين الجمعية، حيث أتابع حالات المرضى التي تردني من مختلف البلدان كالمملكة العربية السعودية والجزائر وغزة، وغيرها فضلا عن مملكة البحرين، والكثير منهم تكون أمراضهم مختلفة عن مرضي، إلا أنني أقوم دائما بمساعدتهم.

وسابقا كانت دراستي الجامعية تأخذ جزءا من وقتي، وإلى جانب ذلك أمارس كذلك هواياتي في القراءة وكتابة الشعر، ومؤخرا بدأت قبل عام في كتابة رواية تجسد قصتي مع المرض بعنوان “عاشق الكالسيوم”، حيث ستكون هذه الرواية رسالة توعية عن المرض والمرضى، فالرواية هي واقعية بالكامل، وستضم الكثير من المعلومات والمراسلات التي لم أتحدث عنها سابقا.

 

كيف يؤثر المرض على ممارستك لحياتك الاعتيادية؟

- المرض لا يمنعني من ممارسة حياتي الطبيعية أبدا.

فما يتعلق بتوقفي عن لعب كرة القدم على سبيل المثال، يعود إلى توقفي لفترة طويلة عن لعب هذه الرياضة، واستعاضتي عنها برياضات أخرى كالمشي.

فالرياضة لا أعتقد أنها مضرة بالمريض، حيث كنت ألعب كرة القدم سابقا في أوقات اشتداد المرض، دون أن يكون لها آثار سلبية عليَّ.

وأما بشأن صداقاتي أو حياتي الشخصية، فالمرض ساهم في توسيع دائرة علاقاتي، حيث أصبح لدي أصدقاء بدرجة أطباء كبار على مستوى العالم، كما بإمكان المرضى أن يتزوجوا وينجبوا الأبناء دون أي مشكلة تعترضهم.

وفيما يتعلق بطعامي، فهو اعتيادي، فقط عانيت في بداية المرض، حيث كنت أعاني فقدان الشهية مما أدى إلى نقصان وزني، ولكني اليوم أصبحت أفضل حالا بكثير، وفي طور التحسن أكثر وأكثر. وعليه، فإن المرض بعد توفير العلاج الجديد له لم يعد يؤثر على ممارستي لحياتي الطبيعية، وأما سابقا، فكان له تأثير كبير.

 

لفتني إشاداتك المتكررة بالدكتورة نسرين السيد، فهل الأمر مرتبط بكونها المشرفة على علاجك، أم لأنها الوحيدة في البحرين التي تعالج هذا النوع من الأمراض؟

- لا أقلل من قيمة العديد من الأطباء المشهود لهم في مملكة البحرين، فالبحرين تضم أفضل الأطباء لعلاج هذا المرض في المنطقة، إلا أن ما يميز الدكتورة أنها استفادت من تجربتها في علاجي.

فالدكتورة كانت هي أول من بدأ في هذا العلاج في منطقتنا، وبدأت من الصفر، واكتسبت الخبرة من خلال حضور المؤتمرات المتعلقة بهذا المرض، والتقائها الخبرات العالمية المشهود لها في هذا النوع من العلاج، وذلك هو ما أهلها لتتميز في العلاج الجديد لهذا المرض من خلال حقن الهرمون.

وذلك لا يعني عدم كفاءة بقية الكوادر البحرينية، حيث لم تتح لهم الفرص والإمكانات التي أتيحت للدكتورة.

 

ذكرت في إحدى كتاباتك بأحد المنتديات الإلكترونية، أن أسباب المرض لديك غير معروفة، فهل لك أن تشرح لنا كيف يتشكل هذا المرض، وهل له من أساليب وقاية؟

- لا يوجد أساليب للوقاية منه، حيث إنه لا ينتقل من خلال عدوى، كما أنه لا علاقة له بالأسباب الوراثية، فإما أن ينتج من خلال طفرة جينية، أو من خلال أسباب تصنف على أنها غير معروفة.

وأما عن طبيعة هذا المرض، فهو عبارة عن نقص في هرمون الباراثايرويد الذي يتحكم في الكالسيوم في الجسم، والذي تفرزه الغدد الجارات درقية. وأكثر حالات المرض شيوعا في البحرين، يتسبب فيها إزالة الغدد الجارادرقية عن طريق الخطأ من جانب المعالج، أثناء عمليات إزالة الغدد الدرقية المتورمة.

كيف تقيم مستوى اهتمام وزارة الصحة والمؤسسات الصحية في التعامل مع المريض وقدرتهم على التشخيص وتوفير العلاج؟

- في البحرين لدينا كوادر طبية أفضل من أي دول أخرى في الوطن العربي في علاج هذا النوع من الأمراض.

إضافة إلى ذلك، فإنه من خلال تجربتي الشخصية مع المرض، وجدت أن الأطباء الذين عالجوني في البحرين كانت لديهم كفاءة في علاج هذا المرض، وأما بشأن العلاج الجديد، فهم لا يلامون عليه، لعدم تجربتهم إياه، ولكن أستطيع أن أقول إن وجودي في البحرين ساهم في حصولي على هذا العلاج. وأما وزارة الصحة، فقد ساهمت بشكل كبير في معالجتي، من تحمل نفقات علاجي في الخارج، أو توفير الدواء رغم تكلفته المرتفعة، ومازالت توفره لي. وحسب اطلاعي، فإن كل الحالات المشابهة لي تم تشخيصها في البحرين بشكل صحيح، فالبحرين تتميز عن الدول الأخرى، وأصبحت اليوم ملجأ لمرضى الهابوبار ثايرويد.

 

بحكم عضويتك في الجمعية الدولية، ماذا بشأن مساعي توفير علاج جذري للمرض؟

- حاليا يوجد علاج من خلال زراعة الغدد جارا درقية في اليد، وتم تجربته على إحدى المريضات من غزة، ونجحت العملية ومازالت تعيش حياتها دون أدوية.

مشكلة الزراعة أن لها آثار جانبية، حيث تعمل على تثبيت المناعة، كما أن مريضة أخرى عملت العملية، إلا أن جسمها رفضها بعد 5 سنوات من إجراء العملية، وعليه فإن الزراعة خيار لا أشجعه.

ولكن هناك علاج جديد مازال يعمل عليه دراسات من خلال الخلايا الجذعية، حيث تعمل عليه دكتورة يابانية، وباعتقادي أنه في حال نجاح هذا العلاج، فإنه سيمثل ثورة هائلة في علاج هذا المرض.

 

ما أسباب تعطل تأسيس جمعيتكم منذ العام 2011 الذي ألغي فيه طلب التأسيس حتى الآن؟

- كان سبب إلغاء طلب تأسيس الجمعية سابقا لعدم توفر المقر؛ ونظرا لاستنفاد الفترة المحددة لنا من جانب الوزارة المعنية لإيجاد المقر تم إلغاء الطلب. وبعد ذلك طرحنا الموضوع في الصحافة، إلا أننا لم نتحصل على تجاوب من أحد، كما توجهنا لجمعية الأطباء الذين قدموا لنا الدعم المعنوي، حيث أبدوا استعدادهم لاحتضان اجتماعاتنا في الجمعية، وربط جمعيتنا ضمن جمعيتهم، إلا أننا كنا نرغب في تكوين جمعية مستقلة عن جمعية الأطباء.

ومرة أخرى عدنا لتقديم طلب لتشكيل الجمعية قبل فترة وجيزة، على أمل أن نوفق في إيجاد المقر.

 

كم يبلغ عدد أعضاء الجمعية؟

- حاليا، يصل أعداد المسجلين إلى 15 شخصا، من بينهم أطباء وممرضون ومهتمون ومرضى.

وخلال إقامتي في أميركا لاحظت أن المرضى هناك يتميزون بالنشاط ويعملون على تأسيس الجمعيات، إلا أنني عندما عدت إلى البحرين وجدت أن المريض اتكالي بشكل كبير، حيث تتسول مساعدتهم، ولا يرغبون بتشكيل جمعيات ولا يتعاونون معنا، إلا أننا ما بين فترة وأخرى نتواصل معهم؛ للاطمئنان على أوضاعهم.

 

كيف سيؤثر تأسيس الجمعية على عملكم؟

- تأسيس الجمعية سيمنحنا الصفة الاعتبارية الرسمية التي من خلالها نستطيع أن نتواصل مع الجهات الرسمية في البحرين وخارجها، وتسهيل إجراءاتنا.

 

من هم الأشخاص الذين كان لهم أثر كبير في حياتك مع المرض؟

- بعيدا عن الأهل والأصدقاء، هناك الدكتور غازي المحروس الذي كان يطلق عليَّ وصف “طبيب”، كما أن أول جهة رسمية تواصلت معي كانت جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان التي كان يرأسها فيصل فولاذ، حيث كان له دور مهم في الضغط في موضوع علاجي ودعموني في أول سفرة لي في أميركا.

بالإضافة إلى هؤلاء، فالمريضة هلا رث التي مضى على معرفتي بها سنوات طويلة، هي أول من تواصلت معها للعلاج، وعائلتها تعاطفت معي بشكل كبير. وكذلك جيمس سندرس الذي يرأس الجمعية الدولية، والذي أعتبره ملهمي في الحياة، إلى جانب الدكتورة كارين وينر التي كانت تعاملني كابنها، فضلا عن أصدقائي في الجمعية من المرضى. ولا أنسى الدكتورة نسرين السيد التي أعتبرها “نعمة من الله”، والتي لديها خبرة أكبر في علاج الحقن.

 

إلامَ تطمح بعد تأسيس الجمعية؟

- أطمح لأن أعقد مؤتمرا عن المرض في مملكة البحرين.