+A
A-

“جيوبي مليئة بالفصول أيتها الينابيع”.. باقة من أسرارهم

صدر عن هيئة البحرين للثقافة والاثار طبعة جديدة من كتاب “جيوبي مليئة بالفصول أيتها الينابيع”، ترجمة الروائي البحريني الكبير أمين صالح، ويقع الكتاب في 282 صفحة من الحجم الكبير، وأهداه صالح إلى رفيق دربه الشاعر قاسم حداد فكتب “الإهداء إلى قاسم حداد الذي لمحته مرة يلاطف خيول المساء”.

ويضم الكتاب مقالات ومقابلات مترجمة في الشأن الأدبي والفلسفي والفني، إذ نلتقي بالشاعر ابوللينير الذي بعده لا شيء محظور على الشعراء، والشاعر سان بول رو مع عالم على حافة الرؤيا، والشاعر بيير ريفردي الذي جذوره في السماء ويداه في الطين، ولوركا، ورونيه شار الذي يطرق القصائد، ومن يوميات كافكا نقرأ أجزاء منها، ويأخذنا ميلان كونديرا في جولة داخل براغ.

كما نلتقي برواية سيدة التوابل، ولوحات رامبرانت مرورا بالمعجم الموسيقي.

وفي الفلسفة يقدم لنا جورج باتاي ألغاز الطقوس اليومية ويكلمنا ميشيل فوكو عن الجنون والحضارة، ويحدثنا امبرتو ايكو عن أروقة العقل. في السينما نتعرف على بروست والزمن المستعاد وأخيرا مع يوميات تاركوفسكي.

وفيما يلي نقتطف جزءا من ترجمة يوميات تاركوفسكي الذي يعد واحدا من أبرز وأهم الأسماء في تاريخ السينما، أخرج طوال مسيرته الفنية 25 عاما تقريبا 7 أفلام فقط، لكن كل فيلم له كان يعد حدثا فنيا فذا، وحاضرا في الذاكرة على الدوام.

18 سبتمبر 1970

اليوم شاهدت فيلم بوندارشوك “واترلو”، عمل مخجل ومثير للشفقة. سبق أن شاهدت فيلما سيئا جدا لبونويل اسمه “تريستانا” عن امراة مبتورة الساق تحلم بجرس يتدلى منه رأس زوجها. أحيانا يسمح بونويل لنفسه بارتكاب مثل هذه الهفوات.

20 سبتمبر 1970

منذ الحرب، انهارت الثقافة في كل أنحاء العالم، تمزقت أشلاء.. مع كل المعايير الروحية. هنا، بوضوح تام وبصرف النظر عن كل شيء آخر، كان ذلك نتيجة الإلغاء المستمر والهمجي للثقافة. من دون الثقافة من الطبيعي أن يسلك المجتمع على هواه من غير ضابط أو نظام. لم يحدث من قبل أن بلغ مثل هذه الدرجة الهائلة. يقول هيسه “الحقيقة ينبغي أن تعاش، لا أن تلقن”.

15 أغسطس 1971

ستانيسلافسكي أساء كثيرا إلى أجيال المستقبل في المسرح، كما فعل ستاسوف تقريبا في الفن التشكيلي. كل تلك المثل الرفيعة تزيف وظائف الفن ومعناه.

ونختار أيضا من يوميات كافكا:

“نمت.. استيقظت.. نمت.. استيقظت.. يا لها من حياة بائسة”.

“حقا على المرء أن يشعر بالخوف حين يخطو خارج البيت”.

“أتجنب الناس لا لأني أريد أن أعيش في هدوء، بل بالأحرى لأني أريد أن أموت في هدوء”.

“إذا لم أتمكن من ملاحقة القصص أثناء الليل، فإنها تفلت مني وتختفي”.

ومن المعجم الموسيقى نختار ما يلي:

“الموسيقى أفضل وسيلة لدينا لاحتمال الزمن وهضمه”. اودن.

“الموسيقى الجيدة هي تلك التي تخترق الأذن بيسر ورشاقة، وتهجر الذاكرة بمشقة”. توماس بيشام 1953.

“انتبهوا.. احترسوا.. الموسيقى وحدها من بين جميع الفنون تتحرك حولكم”. جان كوكتو 1918.

“الموسيقى هي هندسة الزمن”. ارثر هونيجر 1951.

“من دون الموسيقى، الحياة ستكون محض غلطة”. فريدريك نيتشه 1889.

ومن بحار الفلسفة نقرأ تلك السطور لميشيل فوكو:

“اللغة والجنون.. اللغة هي البنية الأولى والأخيرة للجنون، الشكل التأسيسي له، على اللغة تتأسس كل الحلقات التي فيها يوضح الجنون طبيعته. القول بأن جوهر الجنون يمكن تحديده أخيرا في البناء البسيط لمحادثة ما، لا يختزله إلى طبيعة سيكيلوجية محضة، لكن يمنحه السيطرة على الوحدة الكاملة للروح والجسد. محادثة كهذه هي لغة صامتة بها يخاطب العقل نفسه في صدق خاص به، وهي أيضا لفظ مرئي في حركات الجسد”.

يذكر أن صالح ترجم العديد من الكتب السينمائية وهي “الوجه والظل في التمثيل السينمائي”، “النحت في الزمن، تاركوفسكي”، “حوار مع فدريكو فلليني”، “الكتابة بالضوء”، “عالم ثيو انجيلوبولوس”، “عباس كيارستمي، سينما مطرزة بالبراءة”، “سينما فرنز هيرزوغ، ذهاب إلى التخوم الأبعد”، وغيرها من المؤلفات.