+A
A-

السلمي: الحكومة الإيرانية لا تملك قرارا سياسيا والخامنئي الحاكم الأوحد

نظم المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بمقرة بالمرفأ المالي مساء أمس الأول ندوة بعنوان “إيران من منظور سعودي”، قدم ورقتها كل رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) محمد السلمي، وأدارها الباحث في الشؤون الإيرانية كليمان تيرم.

ورحب كليمان بجمع الحضور قبل أن يسلم طرف الحديث للسلمي، والذي قال “أود بداية بأن أعرج لطبيعة العلاقات السعودية الإيرانية خلال الفترة الماضية، والتي حددت ملامح العلاقات الحالية، حيث كانت علاقات جيدة، امتدت أواصرها منذ 1944 وحتى 1979، ثم جاءت قضية الجزر الإيرانية الثلاث، والتدخلات الإيرانية في البحرين، والتي غيرت من ملامح هذه العلاقة، وبتطورات لم يشبها النفس الطائفي”.

ويضيف “حين حدثت الثورة الإسلامية بإيران، كانت السعودية من الدول المرحبة بذلك، ولقد رحب الملك خالد رحمه الله بتونس أثناء قمة العرب، بنفس العام بذلك، ثم حدثت بعدها افتعالات المشاكل للحجاج الإيرانيين، وجاءت من بعد الحكومة الإصلاحية لرفسجاني وخاتمي، واللذين هندسا العلاقات بين الدولتين، وكانت العلاقات طيبة، خصوصا حينما كان رفسنجاني بسدة الحكم، ولقد تخلل عهد خاتمي زيارات متبادلة لمسـؤولي البلـديــن”.

ويزيد السلمي “كان خاتمي جادا في بناء علاقات إيجابية مع السعودية وغيرها، بخلاف رغبة الدولة العميقة (الحرس الثوري)، والذي لطالما قام بأمور خارج عن إرادة الحكومة الإيرانية، منها عمليات التجنيد في البلدان العربية، وفي عهد أحمدي نجاد تدهورت العلاقات بشكل سيئ، وتزايد ذلك العام 2011، حينما دعا خاتمي شعوب العالم العربي بالثورة ضد الحكام، باستثناء سوريا، حيث كان يروج الساسة الإيرانيون بأن الثورة الحاصلة بها هي محاولة صهيونية لتحطيم جبهة الممانعة”.

وقال “زرت بالسنوات الأخيرة عددا من المعاهد الأوروبية، ولقد رأيت بأن لديهم قناعة كبيرة بأن الصراع بين السعودية وإيران هو صراع طائفي بامتياز، وهو أمر غير صحيح، فإيران شيعية منذ 1500 سنة، وربما واجهت صعوبة في الاندماج مع جيرانها، منذ ذلك الوقت، لكنها كانت صعوبات تحت السيطرة، يسعى الطرفان لحلها، دون تدخل أطراف أخرى”.

وأكمل “ما يخص العلاقات بإيران الآن، لا أقول إنها شيعية سنية، ولكنها مشكلة أيديولوجية، فولاية الفقيه بإيران، هو أمر طارئ وجديد على المنطقة، بمفهوم لم يكن موجودا، رغم حديث البعض عنه بنهاية القرن 19، ولكنه لم يتبلور بشكل مفهوم سياسي واضح، ومع حدوث الثورة الإيرانية 1979 حاول خامنئي إيجاد التصور، بتصدر شخصية دينية بأعلى الهرم السياسي، لا تكون عرضة للمحاسبة، وإن كانت هنالك أي إشكالات، فأن الحكومة من تتحملها، والتي لا تكون طرفا مؤثرا بتحديد ملامح السياسة الخارجية”.

وقال “لم يستطع روحاني أو نجاد أو غيرهم من الرؤساء، أن يكون لهم رأي مباشر بالملفات الكبرى كالملف النووي، حيث كنا نتابع عودة جواد ظريف المستمرة لإيران؛ لمناقشة المرشد حول مستجدات الملف، بمعنى أن الحكومة والرؤساء معا، ليس لهم رأي بالملفات الإستراتيجية، وهو ما يضعنا أمام تساؤلات عن دور الإصلاحيين أو المحافظين، أو الحرس الثوري، وبرأيي بأن هذه المجموعات تنتمي كلها للمحافظين، والذين ينقسمون لثلاث جهات رئيسة، لا يكون الإصلاحيون أو العلمانيون جزءا من الحكومة”.

وتابع السلمي “روج اللوبي الإيراني بالغرب بالسابق، خاصة بواشنطن، بأنه (نفس ما لديكم جمهوريون وديمقراطيون، فإن لدينا نفس التقسيم، وندعوكم لدعم روحاني ضد خامنئي)، وهذا ما حصل العام 2009 حين دعم الأميركان هذا التوجه، مع التجاهل التام للثورة الخضراء، والتي اتهمها أقطاب الحكم بطهران بأنها تقاد من الخارج”.

وأردف “لا ندير بالا للحكومة الإيرانية؛ لأنها لا تملك من القرار شيئا، فقد أثبتت التجربة أنه، وإذ ما تعاملنا مع رموزها كجواد ظريف وغيرهم، ونحن مستعدون دوما للتفاوض، لكن هل باستطاعتهم ذلك، أؤكد لكم بأنهم لا يستطيعون؛ لأن القرار ليس لهم، وخير دليل أن ممارسات الحرس الثوري بالخليج العربي، يناقض تصريحات الساسة بطهران، ويقدم النظرة الحقيقية للمشروع الإيراني بتصدير الثورة، وبمشروع واضح المعالم”.

وزاد “كان الخميني يقول إن الطريق للقدس يمر بكربلاء، لكنهم لم يستطيعوا تحقيق ذلك، بعد حرب استمرت مع العراق 8 سنوات، ولم يستطيعوا اختراق الحدود بالأسلوب العسكري، فجاءوا بنظرية أخرى هي أم القرى، والتي تحتم عليهم دفع الدول الإسلامية بالاعتراف بإيران كقلب للعالم الإسلامي، وهو ما لم يحصل، باعتبار أن مكة هي القلب والقبلة للمسلمين بصلواتهم الخمس”.

وأبان “ثم اتجهوا لنظرية ثالثة وهي النظرية الجيوسياسية، والتي ترتكز على استخدام الأقليات الشيعية بالدول العربية لتحقيق الأهداف السياسية الإيرانية، وبالنسبة للسعودية، ولدول عربية كثيرة، فإن لديها – كما أسلفت - الاستعداد ببناء علاقات إيجابية مع إيران، شريطة أن تغير من سلوكها بالمنطقة، وبحيث تتحقق مقولاتهم ووعودهم على أرض الواقع، وألا تكون كوعود روحاني وظريف، وهم يحاولون إقناعنا عبر الفضائيات والصحف الغربية، بأنهم مستعدون للمصالحة، وهم بخلاف ذلك”.

وقال السلمي “لا نستطيع أن نقول بأن لدينا علاقات منفتحة؛ لأن روحاني منفتح أكثر من أحمدي نجاد، والذي كان الأخير أكثر وضوحا بكشف ممارسات سيطرة القوى الدينية على إيران، وعلى المستويات السياسية كافة، وإذ ما توقفت إيران عن استخدام الأقليات، والطائفية كأداة، فإن باستطاعتنا التعايش معها، ولي أن أشير لتعايشنا مع الشيعة، والمتواجدون بأوطاننا منذ فترات طويلة، والبحرين خير نموذج على ذلك، حيث يعيش الناس بجوار بعضهم، ولا أحد يسأل عن مذهب الآخر، بل إن هنالك تزاوج فيما بينهم”.

وأردف “مشكلة الثورة الإيرانية ارتباطها العميق بالإسلام السياسي، والذي أذكى نار الطائفية بالمنطقة، بجانبه السني أيضا، ونرى أمثلته وبوضوح في العراق وسوريا، كما تحاول إيران تطوير برنامجها النووي، على حساب أمن جيرانها، والسعودية تدعم الاتفاق خمسة زائد واحد، لكن عوامل القلق لدى الغرب تختلف عنا، والذي يقوم على أهمية وقف برنامج التسلح الإيراني، وإنتاج القنابل الأسلحة”.

ويتساءل السلمي بقوله: ماذا لو تحسنت العلاقات بين إيران والسعودية؟ لحظات قبل أن يجيب “لدى إيران قوى ناعمة لم تستخدمها قط، ولديها ثقافات بمختلف أصقاعها، وبالإمكان زيارة إيران بالشتاء والاستمتاع بطبيعتها، ولقد زار الملك سعود رحمه الله إيران بمنتصف الخمسينات، وبفترة خاتمي غرقت الأسواق الخليجية بالمنتجات الإيرانية، وإذا تطورت العلاقات سيكون لدى إيران نموذجا أفضل لتقديمه، والإشكال يكمن هنا، بأنه لا يوجد نموذج مقنع بذلك من الممكن اتباعه”.

وواصل “أعتقد بأن العلاقات لو تحسنت، فسيكون لدينا روابط اقتصادية أفضل، دول الخليج من طرف، وإيران من طرف، كان لدينا فرع من شركة صافولا بإيران، والتي استطاعت السيطرة على 40 % من السوق الإيراني، لكننا لم نر أي نوايا لتحسين العلاقات من قبلهم، علينا أن نصل لنقطة للتفاهم المشترك، على مستويات النفط وتوازنات القوى”.

كيلمان متسائلا “كيف تقرأ الخطاب السعودي حول انهيار إيران المحتمل، والخطاب الآخر حول تصدير الثورة وطموحات إيران العسكرية؟ وفيما يخص التجارة لم تشر بحديثك إلى اتفاق أوبك، والذي تضمن اتفاقاً سعوديا إيران بتنظيم تصدير النفط.

السلمي مجيبا “بعد الثورة الإيرانية، دعا الخميني الإيرانيين بعدم شراء المساكن؛ لأن الدولة ستفعل لهم ذلك، وهو ما لم يحصل، كما وعدوا الأقليات بوضع أفضل وهو ما لم يحصل أيضا، ويشير الدستور الإيراني إلى إيمان إيران بالمذهب الاثني عشري، مع استثناء غير الاثني عشريين داخل إيران، وكأنهم ليسوا إيرانيين، حيث لا يسمح لهم بالتدرج في المناصب السياسية، بخلافنا نحن، حيث كان سفيرنا السابق بإيران جميل الجشي (شيعي)، من الشخصيات السياسية السعودية المميزة، وكأن أداؤه ممتازاً”.

وتابع “الدولة الإيرانية ضعيفة من الداخل، ونرى الاحتجاجات داخل هذا البلد الآن، بمعدل 60 مظاهرة يوميا، كما أن من مصلحة إيران والسعودية أن يكون لديهم سعر عادل للنفط، وهو ما تم الاتفاق عليه خلال العامين 2016 و2017”.

وتابع السلمي “وفيما يخص الديناميكيات الداخلية، قال خامنئي بالسابق بأنه ضد الاتفاق النووي، وقال أيضا يجب ألا نثق بأميركا، حتى إذا ما حدث شيء، ترك لنفسه المجال بأن يقول للإيرانيين: لقد أخبرتكم. ثم حدثت كافة التغييرات العام 2013 بناء على الملف النووي، وسبقتها انهيار العملة الإيرانية بنهاية 2012 بعهد نجاد، ثم واجهوا مشكلات اقتصادية كثيرة، فلم يكن لديهم حينها فرصة إلا ببدء الحوار مع الدول الكبرى، وعليه فالواقع يقول بأن هنالك مشكلات داخل إيران، واختلاف آراء الأحزاب، لكن لا يستطيع أن يتحرك أحد دون موافقة المرشد، خصوصا بالأمور الأمنية والسياسية العليا”.السلمي: