+A
A-

جلالة الملك في كلمة سامية: تدشين حزمة من أكبر المشاريع وخلق الفرص الواعدة لأبناء الوطن

استقبل عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في قصر الصخير أمس، ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، رئيس اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، بمناسبة اكتشاف موارد كبيرة من النفط الصخري الخفيف والغاز هي الأكبر في تاريخ المملكة.

واستهل اللقاء بتلاوة عطرة من آيات الذكر الحكيم، ثم تفضل صاحب الجلالة الملك بإلقاء كلمة سامية بهذه المناسبة فيما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،

صاحب السمو الملكي ولي العهد،

أصحاب السمو،

الحضور الكريم،

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

“وأن الفضلَ بيدِ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ” (صدق الله العظيم) لقد أنعم الله بكرمه وتوفيقه على مملكة البحرين وأبنائها منذ مئات السنين بالقدرة على التقدم والتميز في العطاء، ولقد كان لآبائنا وأجدادنا الدور الرائد في صياغة نهضة حضارية وإنسانية، حققت للبحرين الريادة والسبق في مجالات الطب والتعليم والصناعة وأن تكون مركزًا مهمًّا للمالِ والتجارةِ والخدمات الصحية.

ولم يكن مجال النفط بعيدًا عن تلك الإرادة الوطنية الجادة، حيث تم اكتشاف أول بئر في حقل البحرين في عام 1932، في عهد الجد صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة يرحمه الله، والتي حرصت إدارة الدولة ومنذ ذلك الاكتشاف النفطي التاريخي، على تسخير موارده وتنمية مشتقاته بما يعود بالنفع على مسيرة الوطن ولرفاه المواطن البحريني.

وبالنظر إلى ما مر به القطاع النفطي من نمو على مدى عقوده الأولى، إلا أنه وبعد تغير في السياسات التي اتخذها المسؤولون عن القطاع آنذاك، أدت إلى ضعف الخطط الموجهة لاستكشاف المزيد من الموارد الطبيعية وكانت الحجة ندرة الفرص الواعدة، واليوم قد حان الوقت لتجنب ما تسبب في عدم اكتشاف أي حقل جديد منذ الاكتشاف الأول، حيث إن رغبتنا لزيادةِ وتيرة النمو كانت دومًا أكبر وأعمق من واقع الحال، واستطعنا، ولله الحمد من خلال عزمنا وإصرارنا بالتوجيه نحو تكثيف خطط البحث والتنقيب، كما أجرينا الاتصالات المستمرة وعقدنا اجتماعات مكثفة، وشجعنا الرغبات الوطنية الصادقة في إنجاح تلك الجهود، ليأتينا الرد اليوم على تساؤلنا، لنفرح معكم بهذا الإنجاز الكبير لبلادنا باكتشاف أكبر حقل للنفط والغاز في تاريخنا، ولنكتب بذلك قصة نجاح جديدة لقدرتنا على تطويع التحديات وتحويلها لإنجازات، فالشكر لله أولاً وأخيرًا والحمد له سبحانه الذي بنعمتهِ تتمُ الصالحات.

ولعله من الضروري أن نتوجّه بالشكر والتقدير لأشقائنا على ما قدموه ويقدمونه من برامج الدعم، التي هي خير معين لنا في استمرار مشاريع التنمية والتطوير. ونؤكد في هذا السياق، بأن ما يقدمه الأشقاء من دعم مستمر لتحقيق الاستدامة في استقلالية اقتصادنا الوطني لهو دَينٌ في أعناقنا لن ننسى فضله، وكما قال الله عز وجل “وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ” (صدق الله العظيم)، وهو أمر سيمكننا من استعادة موقعنا لكل ما هو خير لهم وللجميع، ولقد عملنا طوال تلك الفترة وبشكل مواز لتنمية الاقتصاد الوطني باستحداث وتدشين حزمة من أكبر المشاريع في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية والمواصلات وتقنية المعلومات، ليصب ذلك في خلق الفرص الواعدة لجميع أبناء الوطن. ومع هذا الاكتشاف الكبير نجد أنفسنا أمام عهد جديد نعمل من خلاله وبكل عزم وإصرار لمواصلة التطوير والتنمية بالتمسك في تنفيذ البرامج والمبادرات الفعالة لزيادة الإيرادات غير النفطية والتوظيف الأمثل للموارد المالية، وصولاً لرؤيتنا في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

الحضور الكريم، إن ما تم الإعلان عنه من اكتشاف لأكبر حقل في تاريخ البحرين هو بشرى خير سيكون لها صدى إيجابي على تعزيز مكانة المملكة في العالم واستمرار مسيرة التنمية الشاملة لصالح جميع أبنائها، وستحكي عنه بكل فخر أجيالها القادمة. ونود في هذا السياق، أن نؤكد على الدور المحوري للمواطنين في الاستمرار في بناء وطنهم وتحقيق تقدمه ونهضته، يدفعهم إلى ذلك إخلاصهم وطموحهم، وبإدارة أهل البحرين الطيبين سنقوم باستثمار هذه الموارد التي نتطلع بأن تكون نبضًا متجددًا يربط الطموحات والأماني بالعمل الجاد، الذي يحقق لمملكة البحرين ومواطنيها الخير والازدهار.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نعرب عن فخرنا بما تبذله السواعد البحرينية الشابة من إصرار وعزم وإسهامات نجحت بشكل باهر في تحقيق هذه النتائج الطيبة، وبهذه المناسبة التاريخية المهمة يسعدنا أن نتقدم بالشكر الجزيل لابننا البار صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي، ومعالي الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة وزير النفط، وفريق العمل في الهيئات والشركات الوطنية للنفط الذين ساهموا في تحقيق هذا الإنجاز وكانوا موفقين على من سبقهم في هذا المجال، ونتطلع إلى استمرار جهودهم المشكورة لمتابعة استثمار هذا الإنجاز لصالح الوطن والمواطنين.

نسأل الله عز وجل أن يحفظ البحرين وأهلها، وأن يديم علينا جميعًا نعمته، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

بعد ذلك، قدّم صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء عينة من إنتاج حقل خليج البحرين. وخلال اللقاء، تحدث جلالة الملك مع الحضور، وقال جلالته إن البحرين بفضل من الله تعالى هي بلد خير، وإن أهلها الطيبون يستحقون كل الخير، وقد أنعم الله على البحرين بأن تكون الانطلاقة الأولى فيها العام 1932 وبعون من الله وتوفيقه تكون الانطلاقة الثانية في هذا الوقت الصعب، وبإذن الله تعالى ستسهم هذه الانطلاقة في تسهيل الكثير من الأمور التي تحتاجها الدولة وستساعد في تأمين الحياة الكريمة للمواطنين.

وأشار جلالته الى أن الاقتصاد الوطني يشهد نمواً طبيعياً وتطوراً كبيراً، مؤكداً على أهمية المحافظة على روح العمل الجماعي المشترك وقبول التحدي والاستمرار في دعم النمو الاقتصادي المعروف بتنافسيته مقارنة بدول كثيرة.

وأكد جلالة الملك أن المواطن البحريني يتميز بحبه للعمل ويعتبره أمراً مقدساً حيث يبدأ بأداء مهامه في الصباح ويبدي استعداده لمواصلة القيام بها بعد انتهاء الدوام الرسمي، حيث إن ثقافة حب العمل والتفاني والاخلاص فيه متأصلة لدى جميع المواطنين البحرينيين والذين لم تنتشر بينهم ثقافة التقاعد وترك العمل لأن هم المواطن البحريني هو خدمة وطنه، ولم يتقاعد سوى المواطنين الذين عمل الكثير منهم خلال فترة شبابهم في المؤسسات الوطنية مثل شركة نفط البحرين “بابكو” وبعض المؤسسات الأمنية وبعض الشركات المنتجة وقاموا بأداء مهامهم على أكمل وجه حتى وصلوا إلى مستوى الاحتراف بجدارة عالية.

وأشار جلالته إلى أن العمل مستمر على ان تعم هذه الروح وثقافة العمل المخلص على الجميع، لأن العالم أصبح يتطلع إلى الاحترافية في كل المجالات، ولذلك فإن الاحترافية أصبحت عنصراً هاماً ومكوناً أساسياً لابد من السعي لتطبيقه دائماً.

وحث جلالة الملك الشباب على التنافس في مجال الاحترافية والمهنية باعتبارها المعيار الذي يتم من خلاله تقييم أهمية العمل والوصول للمراكز المتقدمة فيه، وفي حال تنافس أي اثنان في تقييم جودة العمل فإن كفة صاحب الاحتراف هي التي ترجح نظراً لقيمتها الكبيرة. وأكد جلالة الملك أن البحرين بلد مبارك وأهلها وأهل الخليج يستحقون كل الخير، مؤكداً على المواقف المشرفة لأهل الخليج وقيامهم بدعم البحرين خلال فترة كانت فيها بحاجة لدعمهم، قائلاً أن هذا الدعم لهو دين في الرقبة حتى وان لم يتم الحديث عنه أو الاتفاق عليه، لكن الانسان وهذا طبعه يقبل بالشيء حتى يقوم بواجبه وان تمكن من رد الجميل فهذا ينبع من قيمه النبيلة، مؤكداً أن ذلك ما يقوم به أهل البحرين الكرام. مشيراً جلالته أنه وجد هذه القيم الأصيلة في أهل البحرين من خلال معرفته بهم ودراسته وعمله معهم.

واشار جلالته إلى أن هناك كلمة حق لا بد ان تقال في حق من أسهموا في تأسيس صناعة النفط في البحرين على هذا النحو وتميزوا بالاحتراف إلى أقصى درجة، مستذكراً جلالته أن مركز التدريب المهني في شركة نفط البحرين “ بابكو” كان أحد المؤسسات الحكومية الهامة، وقال جلالته إن الدكتور عبدالحسين ميرزا وزير شئون الكهرباء والماء هو أحد الأوائل الذين درسوا وتعلموا الجوانب الفنية في هذه الصناعة ووصلوا إلى مراكز عالية بفضل التدريب الجيد، معرباً عن شكره وتقديره لعبدالحسين ميرزا؛ لأنه أحد من أسسوا هذه الصناعة وساهموا في تحقيق هذا الانجاز بفضل العمل المخلص والروح الطيبة والاجتهاد في أداء المهام. وقال جلالته في ختام حديثه إن المسيرة مستمرة ولابد من تكاتف الجهود واجتماعها بهدف أن يعم الخير على جميع أهل البحرين الطيبين.

ومن جانبهم، رفع الحضور إلى صاحب الجلالة الملك أسمى آيات التهاني والتبريكات معبرين عن بالغ الفخر وعظيم الاعتزاز بهذا الانجاز الوطني الذي تحقق في العهد الزاهر لجلالة الملك، مشيدين بتوجيهات جلالته السامية بإعطاء الأولوية القصوى لعمليات استكشاف النفط لتوظيف هذا المورد الحيوي لخدمة المسيرة التنموية من أجل خير وازدهار البحرين ورفاه شعبها العزيز.

وأكدوا أن هذا الاكتشاف الكبير يشكل رافدًا مهمًّا للدفع بعجلة مبادرات التنمية الشاملة والنهضة الاقتصادية وامتدادًا لمسيرة الخير والبناء تحت قيادة جلالته.