+A
A-

آمال المؤيد.. مهندسة صعود محلات أشرف

أعددت الشاي في مكتب والدي قبل دخول التجارة

بعت الفستان في أحد محلاتي بألف دينار لماركات عالمية

أدخلت تعديلات جذرية في محلات أشرف منذ التسعينات

تحدثت مع هندي بلغة الإشارة فكانت انطلاقة مشروع

أثبتُ لوالدي أن المرأة قادرة على التجارة كالرجل

رسالتي للشباب: لا تترددوا فالخوف أول خطوة للفشل

التركيز على جودة الوقت مع الأبناء وليس مدته وطوله

 

ولدت في كنف عائلة تجارية مرموقة، فهي ابنة رجل الأعمال المرحوم الوجيه يوسف خليل المؤيد، حيث لم تجد مفراً من التجارة التي تسري في عروق هذه العائلة التي لطالما اعتبرت إحدى أعمدة الاقتصاد الوطني. ومع خبرتها التي تراكمت في هذا المجال منذ السبعينات، استثمرت آمال المؤيد معرفتها في قيادة تحول جذري لمحلات أشرف، والتي تأسست في العام 1913، قبل أن تتحول ملكيتها إلى مجموعة يوسف خليل المؤيد في مطلع التسعينات.

كان نشاط أشرف يقتصر على بيع العطور وكوكتيل لمنتجات سوني فقط، ليتحول بعد تولي آمال المؤيد دفة القيادة في 1996، إلى وكيل لتشكيلة واسعة من المعدات والمستلزمات الإلكترونية والمنزلية.

وتصف المؤيد هذه الفترة في عمر أشرف الذي يناهز 100 عام بأنها كانت فترة “تحول جذري”. وتعترف المؤيد بتعرضها للفشل والإخفاقات في حياتها، لكنها تفتخر بمسيرتها الطويلة التي كانت حالفة بالمعرفة، فمنذ طفولتها وهي تعد الشاي في مكتب والدها بباب البحرين، كانت تسمع وترى أخبار الصفقات التي يعقدها والدها، قبل أن تقع في عشق التجارة وتنخرط فيها بعد عودتها من الدراسة، لتبدأ مشروعها الخاص “فوك بوتيك”، فاستطاعت بجدارة أن تكون مهندسة التطوير لأحد أقدم المحلات التجارية بالبحرين.

وأبتْ “البلاد” ألا أن تقف على هذه المسيرة الفريدة للمؤيد، فالتقتها للبوح بتجربتها في عالم التجارة:

كسيدة من عائلة تجارية معروفة، كيف أثر ذلك على نشأتك وميولك؟

ولدت في عائلة امتهنت التجارة، فوالدي تاجر، وجدي كذلك، ومن المعتاد أن تتمحور الأحاديث العائلية حول شؤون التجارة، ومنذ الصغر كنت أذهب لمكتب الوالد في باب البحرين، إذ كنت أعمل معه بعد أن ينتهي يومي الدراسي. في البداية كنت أعد الشاي في المكتب، ولكن حين رأى والدي حب العمل لدي، أوكل إليَّ القيام بأعمال الحسابات، وكنت بارعة فيها، وفي الوقت ذاته استمع لأحاديث الصفقات، وغيرها من الأمور التجارية التي زرعت في قلبي الحب للتجارة وروح المغامرة.

 

ماذا عن الدراسة؟

درست تصميم أزياء، وتخرجت في “مانشستر”؛ لأني كنت أحب مجال الموضة والملابس، إضافة إلى ذلك درست العلوم المالية، وبعد عودتي إلى البحرين، رغبت في العمل مع الوالد، ولكن لم تكن هناك فرصة، فبدأت في مشروع عملي الخاص.

كان الوالد يعتقد بأن الرجل يبرع في التجارة أكثر من المرأة، وهذا ما جلعني أشعر بنوع من التحدي، فكان ذلك بمثابة المحرك للعمل الدءوب، أردتُ أن أثبت للوالد أن التجارة ليست مقتصرة على الرجال وأستطيع ممارستها.

 

ما أول مشروع باشرتِ تأسيسه؟

استطعت جمع مبلغ متواضع بنفسي دون مساعدة أحد، وافتتحت محل صغير باسم “فوك بوتيك” في العام 1978 في شارع بالعدلية كان يشتهر باسم شارع الحب حينها، كنت أعمل لمدة 24 ساعة، وأتذكر استغراب الجميع من قيام سيدة بافتتاح محل في هذه المنطقة التي لم تكن تنتشر فيها المحلات التجارية، وحينها ركبت جهاز كمبيوتر خاصا كان وقتها حجمه كبير جداً، فهي كانت بدايات ظهور الكمبيوتر. وتطورت تجارتي من محل واحد إلى محلات مختلفة عدة، وأصبحت أبيع فساتين بماركات عالمية مثل “فيرساشي” و”روكو بوروكو”، حيث كانت تصل قيمتها إلى ألف دينار. في فترة ممارستي التجارة من 1978 إلى 1996 دشنت محلات في الشيراتون وفندق الخليج ومجمع يتيم، وتعرضت للفشل، والجميل في التجارة هو أنك تتعلم باستمرار وفي مختلف المجالات.

هذه التجربة منحتني معلومات كثيرة، وخبرة واسعة في التجارة.

 

وماذا عن مسيرتك في محلات أشرف؟

في العام 1996 توفي الوالد رحمه الله، وكانت شركة يوسف خليل المؤيد قد اشترت أشرف قبل ذلك في العام 1994، فطلب مني أخي الكبير فاروق أن أدير محلات أشرف، ووقعت حينها في حيرة من أمري، هل أقوم بإدارة مشروعي الذي أسسته بنفسي، أم أنتقل لمكان آخر، فأدير شركة جديدة عليّ لا أعلم عنها شيئا، فقد كان يعمل بالشركة نحو 200 موظف، وكان نشاطها في الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية والكاميرات، وهذا النشاط يختلف تماما عن خبرتي في الملابس والأزياء، لكن توصلت لقناعة، وأنه لا يمكن أن يقف شيء في طريقي، فيمكنني التعلم من خلال التجربة كما تعلمت في وقت سابق.

ما التطوير الذي قمت به في محلات أشرف؟

أتذكر أول ما بدأت العمل في أشرف، كانت العمارة مهملة، ومكان العمل كان كئيبا، فأول قرار اتخذته كيف أمنح الحيوية له، قمت أولا بتغليف المبنى بالكامل من الخارج، ولم تكن هناك مواقف سيارات للزبائن، قمنا بتوفيرها، وعلمنا على تطوير أماكن الموظفين؛ لكي يشعروا بالراحة في مكان عملهم. هذه التطويرات لم يقتصر أثرها على الموظفين فحسب، بل خلقت جوا إيجابيا لممثلي الوكالات العالمية. استغرقت العملية وقتاً، إذ قمنا بها تدريجيا؛ كي لا تؤثر على المبيعات. كانت تصلنا ردود إيجابية باستمرار للوكالات التي تؤكد رغبتها بالبقاء مع أشرف والاستثمار فيها؛ لأن المحلات أخذت تتطور باستمرار، وهذا ما أظهرته نتائج أشرف التي كانت في نمو مستمر بفضل أسلوب الإدارة الذي اتبعته.

الخطوة الكبيرة التي قمنا بها كذلك هي شراء الأرض المحاذية للمقر، وتطوير المبنى الجديد ليكون جاهزا في العام 2014، وكان يعد من أكبر الاستثمارات التي قامت بها أشرف، إذ كلف تطويره نحو 5 ملايين دينار دون احتساب كلفة الأرض.

 

هل تعتقدين أنه يجب الاهتمام بالموظفين في الشركات؟

لدينا طاقم في محلات أشرف من البحرينيين والأجانب، نتعامل مع بعضنا كعائلة واحدة ولدينا علاقات متشابكة، وأرى أهمية التواصل مع الموظفين، وأن يشعروا بأن “أشرف” هي منزلهم.

أرى من المهم أن يترقى الموظف، ولدينا قصص نجاح لبعض الموظفين الذين كان مستواهم متوسطا، ولكن استطاعوا أن يتطوروا بتلبية احتياجاتهم الشخصية مثل الدراسة أو المساعدات وغيرها أو تلك التي تتعلق بالعمل، وهذا يأتي عبر التواصل الشخصي معهم في مختلف المناسبات. وأعتقد أن أحد أهم أسباب نجاح “أشرف”، أن كل عامل يحب الشركة، ويحب العمل فيها، ويعرف أن هناك أمانا وظيفيا.

 

ما قصة بدء مشروع تجاري بلغة الإشارة مع هندي على متن طائرة؟

ذات مرة كنت مسافرة إلى دبي، وكان يجلس بجانبي بالطائرة ذهابا أحد الأشخاص من الجالية الهندية، فتحدثت معه بلغة الإشارة، حيث لم يكن يعرف الإنجليزية، وفهمت منه أن لديه مطعم في دبي للوجبات الهندية السريعة، وأخبرته بأنني أرغب في زيارة مطعمه، وبالفعل قمت بزيارته وأعجبتني الفكرة، وعندما رجعت للبحرين طلبت من أحد المديرين بالتواصل معه؛ لبحث إمكان فتح مطعم مشابه في البحرين، وبالفعل قمنا بافتتاح المطعم وهو “دوسا بلازا” الذي حقق نجاحا خصوصا مع وجود عائلات هندية كثيرة.

 

في مسيرتك الطويلة التي استمرت عقودا، هل واجهتك تحديات؟

بالطبع كل يوم هناك تحدٍّ، فمثلا كان لدينا في مبيعات الجملة وكالة “جيلت”، وحين انتقلت ملكيتها لشركة أخرى قامت الشركة بسحب الوكالة عنا، فكان لابد من التحرك لتعويض هذا النقص والبحث عن شركات أخرى، وهناك أمثلة أخرى للتحديات التي تواجهنا، كانخفاض مبيعات التجزئة التي تستوجب زيادة مبيعات الجملة، مثلا كان لدينا محل في باب البحرين لمبيعات التجزئة، وقمنا بإغلاقه لانخفاض المبيعات، بعد تغير طبيعة السوق هناك، وهذا يعني البحث عن قنوات أخرى.

 

ما الخطة المستقبلية لأشرف؟

في السنوات الخمس المقبلة لابد من تغيير طريقة العمل من مبيعات التجزئة المباشرة، إلى البيع عن طريق الإنترنت. أعتقد أن هذا الاتجاه هو ما يسود مستقبلا.

 

هل من رسالة تودين توجيهها لرواد الأعمال خصوصاً من الشباب؟

التوازن بين المنزل والعمل شكل تحديا في حياتي، فقد وقفت أمام خيارين في بداية التسعينات حين طُلب مني إدارة “أشرف”، إما أن أتخلى عن مشروعي الخارص “فوك بوتيك” أو أن أوكل إداراته لشخص آخر، فاخترت أن أدخل دماء شابة وجديدة لإدارته، وقد يصعب على أصحاب أعمال أن يثقوا في الشباب، ولكن وفقت في الخطوة والمحل في تطور مستمر.

والحديث ذو شجون فيما يتعلق بالشباب، أنوه هنا حين قررنا أن نغلق محل “فوك” في السيف الذي كان يخسر، تبادرت إلى ذهني فكرة لماذا لا نتيح المحل للشباب البحرينيين؛ لكي يعرضوا منتجاتهم خصوصا الذين لا يملكون تكاليف افتتاح محل جديد، وفعلا طبقت الفكرة، وتعجبت من الكم الهائل للمنتجات التي يقوم بتصميمها البحرينيون الشباب، فأصبح هناك نحو 40 مصمما بحرينيا يعرضون منتجاتهم في المحل، ونقوم ببيعها نيابة عنهم برسوم رمزية. والمحل حاليا يغص بالمنتجات بالكامل، ونعمل حالياً للتوسع فيه.

وأتذكر كذلك، حين التقيت إحدى السيدات من ذوات الاحتياجات الخاصة، تحدثت عن معاناتهم في الحصول على تاكسي، فتبادرت إلى ذهني لماذا لا يكون هناك خدمة نقل خاصة بهذه الفئة، بحيث يتوفر بالسيارة مصعد خاص لهم، وبالفعل استطعنا توفير سيارات بجهد خيري، وبدأ المشروع تحت إشراف هذه السيدة، وهو يحقق نجاحا الآن.

أقول للشباب أربعة أمور رئيسة: أبدأوا بمالكم الخاص، املكوا الفكرة المتميزة، ولا تخافوا من الفشل، وتدرجوا في مشروعاتكم. فإذا كانت لديك فكرة جديدة في العمل أبدأ ولا تخاف، فالخوف عدو النجاح، وأنا عندما تأتيني فكرة أسعى مباشرة إلى تطبيقها، فعندما تتردد في المشروع لأي سبب سيكون ذلك عاملا للفشل.

 

إذ أدرنا الدفة قليلا نحو المنزل، كيف تبدأ حياة سيدة الأعمال المؤيد؟

أنا أحب الجمال والفن وأنا مزارعة، ومن الأمور المهمة أن توجد متنفسا يخلصك من الضغوطات اليومية، فمزرعتي هي التي تخلصني من الضغوطات، استيقظ من الساعة الخامسة صباحا لأكون في حديقتي بالمنزل إلى الساعة الثامنة صباحاً، وأقوم بالزراعة والاسترخاء والتأمل، وذلك يعد بالنسبة لي غذائي الروحي والنفسي.

 

هل يمكنا الحديث عن العائلة قليلا؟

لدي ثلاثة أولاد، وزوجي يقدر عملي، ويقدر مواهبي دائماً، ومضى على زواجنا الآن أكثر من 40 عاماً ولا مرة سمعت منه أنني أعمل كثيرا وأهمل المنزل، إطلاقا.

في الساعة الثانية أرجع للمنزل وأجلس مع أولادي، دائما ما أقول لهم هل تريدون وقتا مميزا أم وقتا طويلا من دون أن يكون ذا جودة، وبالفعل نحن نستمتع بوقتنا ونمارس مختلف النشاطات مثل السباحة وقضاء وقت ممتع في الخارج، وحاليا ابنتي تتبع نفس فكرتي بالتركيز على جودة الوقت الذي تقضيه مع أطفالها، وليس بمدته وطوله.