+A
A-

بروين حبيب مع 20 أديبًا عربيًّا يتحدثون عن “الأم”

في كتاب ظريف الفكرة، بديع التصميم والإخراج، دوّن نحو 60 كاتبًا من جنسيات مختلفة، بعضهم قد تعرفهم وآخرون أقل شهرة، شهاداتهم في أمهاتهم، في إجابة عن سؤال أولي: ماذا عليك أن تفعل لتجعل أمك فخورة بك؟.

من المشاركين الناقد صلاح فضل، والكاتب محمد منسي قنديل، والدكتورة منى مكرم عبيد، من مصر، والروائي واسيني الأعرج من الجزائر، والروائية علوية صبح من لبنان، والروائية لينا هويّان الحسن من سوريا، والروائي طالب الرفاعي من الكويت، والأديب عبد الملك مرتاض من الجزائر، والشاعرة والإعلامية بروين حبيب من البحرين.. وغيرهم، إضافة إلى عدد من عضوات صالون الملتقى الأدبي في أبوظبي صاحب فكرة الكتاب المنشور في “دار الآداب” ببيروت. ومن هؤلاء الشيخة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، رئيسة مجلس إدارة مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان، والشاعر الدكتور شهاب غانم، والأديب ناصر الظاهري، والشاعر كريم معتوق، والكاتب سعيد حمدان، مدير جائزة الشيخ زايد للكتاب، والكاتب سلطان العميمي، مدير أكاديمية الشعر، والفنانة التشكيلة خلود الجابري، والكاتبة الصحافية عائشة سلطان... وغيرهم.

ورغم أن الغالبية الساحقة أشادت بالأم ورسمت الملامح الوجدانية للعلاقة مع الوالدة، فإن البعض ذهب إلى أماكن أكثر حساسية وصراحة، مثل الروائية مريم الغفلي، من الإمارات، التي رأت أن أمها كان من الصعب أن تفتخر بها لأنني اكتشفت أنني لا أفهم محيطي، أو أن محيطي لا يفهمني... أمي قد تكون فخورة بي كأم وزوجة ناجحة، وما عدا ذلك، فلست أملك سوى الأفكار التي لا تفهمها، وهي التي كانت دائمة التذمر من كثرة قراءاتي. ترمي سبب اختلافي عن المحيط إلى الكتب التي كانت تراها شرًّا أطاح بعقلي.

تبدو الأمهات كلهن صنفًا واحدًا وأنت تمر على صفحات الكتاب؛ متفانيات، يملكن حبًّا لأولادهن، وقدمن تضحيات لا سقف لها. وربما تختصر الكاتبة الإماراتية فاطمة محمد الهديدي الدرمكي هذا المعنى بعبارتها: أمهاتنا لسن كباقي البشر، يمنحننا من طاقاتهن حتى تخور قواهن، ومن ألقهن حتى تخور أوداجهن، وهنادي الصلح بعبارة: أمي ليست كباقي الأمهات.

لكن الأكثر لفتًا للانتباه هو أن صورة الأم العربية التقليدية، كما هي في الكتاب، مشوبة دائمًا بالحزن والدمع والألم، وكأنما في استعادة هؤلاء الكتاب أمهاتهم صعوبة في الفصل بين حياتهم الخاصة وتلك التي تشاركوها معهن في طفولتهم، ومن ثم تكرار الحديث عن شخصيات تتحمل أعباء تنوء بها الجبال، حتى يخيل إليك أن الأمومة هي صنو الألم في مجتمعاتنا. ولعل الأبناء يحتفظون في ذاكرتهم بفيض من الصور الكئيبة، ويسقطون لحظات المرح والحبور، وإلا فمن الصعب أن تتخيل كل هذا البؤس الأمومي الفائض.

مع بعض التدقيق، تكتشف أن العلاقات أبعد غورًا، وأكثر تعقيدًا، حين يترك بعض الكتاب لأنفسهم العنان، ويتحدثون منعتقين من سطوة الإحساس بالذنب في مجتمع يحمل في موروثه فكرة الأم  الملائكية، الممتلئة بـالحنان، المفطورة على  العطاء، المغتسلة بـ الطهر، وهي مفردات تتكرر عند الكتاب للتعبير عن شخصية المرأة التي يترفعون أو حتى لا يفكرون في البحث عن سقطاتها إلا لمامًا. لكن الناقد صلاح فضل يتحدث عن كثرة الكلام، التي عانت منها (أمه) في بيئتنا القروية المحافظة بعد أن اقترنت بعمي (إثر وفاة والده) لتظل العائلة موحدة. كانت دائمة الشجار معه والنقد له وإغاظته بسيرة أخيه المرحوم. أما والدة علوية صبح فقد كان افتخارها الوحيد الذي عبرت عنه بابنتها هو حين أعلمتها بعزوفها عن الزواج، لتأتي الإجابة: برافو عليكِ، البنت ما بتعرف شو ناطرها عذاب بعد الزواج. وصلت الحال بعد شيخوختها إلى أن تغار من صديقاتي، وتكره أي صديق لي خوفًا من أن أغرم به وأتزوج وينتزعني منها، كأن رعايتها لي ولأخواتي دين علي أن أسدده لها في آخر حياتها، وكان ذلك فخرًا لي.

أسماء صدّيق المطوَع صاحبة فكرة الكتاب، تتحدث عن أميَن اثنتين عاشت في كنفهما، وهي من التجارب الغريبة في الكتاب؛ فوالدتها تزوجت برجل يكبرها سناً وكان قد تزوج قبلها، ويبدو أن تلك المرأة احتضنت الزوجة الجديدة وأولادها وبينهم الكاتبة أسماء التي تقول: لم نكن نشعر بفارق بين أمي وزوجة أبي التي مثلت النصف الآخر للحب وأحاطت الجميع بعذوبتها ورعايتها؛ بدءًا بأمي لأنها كانت تكبرها بسنوات كثيرة، وتعاملت معها كما لو كانت ابنتها، وكانت عبارة عن روح تمنح بيتها حبها المطلق. ولطالما شعرنا بحرج وخوف في مناسبات عيد الأم، من أن نظهر لإحداهما حبًّا أكثر من الأخرى، فكلتاهما كانت تتقاسم كل طاقاتنا على الحب.

بعض الأمهات كانت عذاباتهن استثنائية بسبب استشهاد الوالد تحت وطأة التعذيب، كوالدة واسيني الأعرج، التي يقول عنها: وجدت أمي نفسها أمام خمسة أطفال وآخرهم في بطنها، وكان عليها أن تتحمل كل شيء.” عن جريدة الشرق الأوسط.