+A
A-

سر تعاستي في مزاجي

المشكلة:

أنا شاب في الثلاثينات من عمري، متزوج ولدي طفلان، أعاني من مشكلة حدة المزاج والعصبية في التعامل مع الناس، إذ لا أستطيع أن أتمالك أعصابي وانفعالاتي، ولا أستطيع تحمل الأشخاص المحيطين بي سواء من أفراد أسرتي أو زملائي في العمل أو أصدقائي إذا بدر منهم أي غضب أو جفاء في التعامل معي فيكون ذلك بمثابة ماس كهربائي يثير غضبي وأشتعل ولا أستطيع التفاهم حينها.

لقد حدثت لي مواقف عديدة وأنا في المنزل مع زوجتي وأطفالي وحتى والدتي وأحيانا إخوتي.. وهناك أمثلة أخرى على صعيد العمل وكدت أخسر وظيفتي بسبب احتكاكي واصطدامي بمديري مرات عدة، وحتى أثناء السياقة، إذ أنفعل بمجرد أخطاء يرتكبها الآخرون أو أكون السبب فيها.

أعاني من هذه المشكلة منذ فترة وجيزة وأصبحت تؤرقني دائما ولا أعرف كيف أتخلص منها فأرجو أن تساعدني في معالجتها ولك مني كل الشكر والتقدير.

 

أبو جابر


 

الحل:

عزيزي أبو جابر، إن مشكلة المزاج والعصبية في التعامل تعاني منها شريحة كبيرة من أفراد المجتمع ولكن وهناك تفاوتا في الدرجة والنوع..

وأما بالنسبة للأسباب فإن علماء النفس يختلفون في تفسيرهم لها وتحليلهم لهذا الجانب العلمي، فهناك من يعزو الأسباب إلى الجانب الوراثي البحت المتعلق بالجينات التي يرثها الإنسان عبر السلالة التي ينحدر منها، ويحدد العلماء في ضوء ذلك أشكالا من المزاج التي تترتب نتيجة لعملية التركيبات الكيمائية المعقدة للغدد مثل الغدة الدرقية أو الكظرية المكونة في جسم الإنسان عبر الوظائف الفسيولوجية، كما أن هذه الألوان المختلفة من المزاج يطلق عليها تسميات مثل المزاج الصفراوي والسوداوي والدموي وغيرها.

ولكل هذه الألوان سمات تميز صاحبها وتنعكس سلوكياته وتصرفاته بناء على ذلك النوع الذي ينتمي إليه، وأحيانا يقال إن شخصية الإنسان تتكون نتيجة للمزاج الحاد أو العكس، فتارة يكون هادئا وتارة أخرى بليدا لا يتأثر وهكذا..

ويفسر علماء آخرون بأن المزاج موروث كطبيعة بشرية، ولكن للبيئة دورا فعالا في تعديل أو تغيير تلك الجوانب المزاجية الموروثة، أي حدوث نوع من التفاعل بين ما هو موروث وما يكتسبه الإنسان من البيئة المحيطة.

هذا من الجانب العلمي للمشكلة، وهناك بعض الأسباب الأخرى مثل الظروف والمؤثرات البيئية وما تمثلها من الوسائل التقنية الحديثة من أجهزة وآلات وخلافها نتيجة للضريبة الحضارية التي يتحملها البشر من خلال تفاعلهم وتأثرهم بها، إضافة إلى الضغوطات المادية والنفسية والاجتماعية وغيرها.. إضافة إلى التدخين والكحوليات والمخدرات!

كل هذه الأسباب تجتمع معا لتسبب أمزجة مختلفة في شخصيات متنوعة.. وهكذا فالإنسان يؤثر ويتأثر وعليه أن يواجه كل المؤثرات بشيء من التقبل ورحابة الصدر دون استخدام الأساليب البدائية، مثل شن الحرب على الآخرين أو استخدام الألفاظ النابية أو الشتم وغيره، فمثل هذه الأساليب والسلوكيات غير مرغوب فيها بتاتا ولا يتقبلها المجتمع المتحضر، ومن ثم يحارب الأشخاص ذوي الطباع الحادة والانفعالات السريعة، فبمجرد وجود مثير أو منبه بسيط يقيمون الدنيا بسببه ولا يقعدونها!

فأنت يا عزيزي الشاب في مقتبل عمرك، والحياة ما زالت في بدايتها وهي واسعة الأفق، فيها من محاسن ومساوئ وبها الخير والشر.. ففي حال حدوث مثل هذه المواقف في المرات المقبلة حاول أن تتجنب الرد والاستجابة بالغضب والانفعالات مرة تلو الأخرى.. فعندما تكون وحدك حاول أن تتذكر بعد كل موقف كيف تعاملت معه؟ وكيف كان رد فعلك؟ بحيث تتذكر كل التفاصيل الدقيقة والمملة وتتذكر ماذا كانت النتيجة من جراء تلك المعاملة الحسنة؟ مع وضع الاعتبار لعكس هذه المعاملة كيف ستكون نتيجتها العكسية أيضا؟ وهكذا مرة بعد أخرى وبالتدريج ستجد نفسك تتعلم من كل موقف سلوكا جيدا وبعدها ستنضج تلقائيا من هذه الناحية، ولاشك أنك ستحصل على نتائج إيجابية.

ومع الوقت ستبتعد عن تلك الانفعالات والأساليب غير المرغوب فيها! كما أود أن أذكرك يا عزيزي أن في بعض الأحيان تكون الظروف أقوى مما تتصور ولكن حاول أن تتغلب عليها، فلا تمنح للنسيان مجالا للسيطرة على رد فعلك وذلك باتباع طريقة غاية في البساطة. فحاول أن تسبق كلمة “لو” بمعنى أنك تعمل حسابا ليومك الذي ستبدأ به، فمثلا قبل الخروج من المنزل، أو في أثناء سياقتك للسيارة أو أثناء الدوام تخيل أنك ستواجه أشكالا مختلفة من البشر ولكل منهم مزاج معين ومن ثم سلوك ورد فعل يختلف عن الآخر وهناك مستويات وطبقات متباينة في التعامل.

فمن هذا المنطلق حاول أن ترسم سيناريوهات لأنماط وأشكال مختلفة لطريقة التعامل والمواجهة باستخدام كلمة “لو” بحيث تخاطب نفسك بأنك لو فعلت كذا ستواجه كذا أو قمت بسلوك ما ستكون النتيجة بالمقابل كذا وكذا.

وبمعنى آخر امنح نفسك مجالا للتفكير قبل البدء بأي سلوك ستقوم به. تأكد بعد تكرارك لهذا الأسلوب مرات عدة أنك ستجد نفسك اكتسبت عادة سلوكية جيدة تمنحك الفرصة في إعادة النظر في سلوكياتك القديمة ومن ثم الشعور بالارتياح الذي سيكون بمثابة الحافز التعزيزي.

ومن هنا ستقوم تلقائيا بمحو أسلوب التعامل السابق الذي كان يسبب لك مواقف حرجة. وبهذا سيحل الأسلوب الجديد مكان القديم، وعلى ضوء ذلك تستطيع أن تقوم أسلوبك وسلوكياتك بنفسك دون الاستعانة بشخص آخر.

تذكر يا عزيزي أنك أب لأطفال ومثل أعلى لهم، ولاسيما أنهم سيقتدون بك من خلال تعلمهم وكسبهم العادات السلوكية الحسنة منك أولا، فحاول أن تطبق تلك الطريقة البسيطة التي اقترحتها عليك مباشرة بعد انتهائك من قراءة هذه الصفحة مع تجنب الأسلوب القديم قدر الإمكان!!

وأخيرا أطلب منك أن تتصل بي أو تكتب لي موضحا متى تطورت الحالة بعد مضي 4 أسابيع من الآن؛ لكي نتمكن معا من التغلب على مشكلتك طالما أنها ما زالت في مراحلها المبكرة. مع تمنياتي لك بالتوفيق.