+A
A-

أحكام “الأسرة” تحت مجهر محكمة التمييز

أبدى مشرعون وقانونيون تفاؤلاً متباينا إزاء الأثر المتوقع لإقرار قانون الأسرة الموحد على سير الدعاوى في المحاكم الشرعية. 
ورغم إظهار القانونيين والمحامين درجات متفاوتة من الإيجابية إزاء المشروع ونصوصه، إلا أنهم اتفقوا على أن دخول قانون الأسرة حيز التنفيذ، سيأخذ عملية التقاضي بهذه النوعية من الخلافات إلى مرحلة جديدة.
 وقالوا في تصريحات لـ “البلاد”: إن صدور القانون الموحد سيخضع أحكام الأسرة الصادرة عن المحاكم الشرعية الجعفرية لمجهر محكمة التمييز التي ستفحص مدى مواءمتها للقانون الجديد، بعد أن كانت هذه الجزئية العدلية المهمة مقتصرة على الشق السني فقط.  

 

منظومة قوانين الأحوال الشخصية باتت متكاملة

 

الأثر المستقبلي

من جهته، قال النائب الأول لرئيس مجلس النواب المستشار علي العرادي إن التنبؤ بالأثر المستقبلي لقانون الأسرة الموحد وما سيترتب على تطبيقه لن يتأتى بشكل واضح حالياً، غير أن المؤمل أن يترك أثره الواضح على واقع المحاكم الشرعية، ويدفع بتطوير الإجراءات التي تتم من خلالها عملية التقاضي.

وأضاف العرادي: قد يكون هناك تأثير على عدد ونوعية القضايا، لكن لا أعتقد أن يكون التأثير كبيراً؛ لأن القضايا المنظورة في واقعها ليست كثيرة، غير أن من المؤمل أن ينظم القانون العملية بشكل أفضل، بحيث تكون مدة التقاضي أقل على سبيل المثال، والإجراءات التي يتبعها القاضي تكون أوضح.

ولفت إلى إمكان تحقيق درجة أعلى من العدالة في الفصل القضائي إزاء الأمور المنظورة، في ظل وجود أحكام صريحة ومباشرة ومستنبطة ومحددة، مما يجعل خريطة الطريق أمام رأي القاضي أكثر وضوحاً، وذات إجراءات جلية.

 

سعادة غامرة

وبين النائب الأول لرئيس مجلس النواب أن هناك تطلعا لأن يسرع هذا القانون الإجراءات المتبعة في المحاكم الشرعية، ونتطلع أن ينتج شفافية وعدالة أكبر.

من جهتها، أظهرت عضو المجلس الأعلى للمرأة الشورية دلال الزايد سعادة غامرة بتمرير قانون الأسرة الموحد عبر السلطة التشريعية، وكذلك تصديق جلالة الملك عليه.   

وقالت: إن القانون يضم أحكاماً جامعة للشقين السني والجعفري، وسيتأثر القضاء الجعفري إيجاباً بنفاذ القانون كما لمسنا التغيير سابقاً عندما طُبق على الجانب السني فقط.

 

وحدة الأحكام

ولفتت الزايد إلى أن القانون يتضمن أحكاماً تمس الواقع الاجتماعي لنا جميعاً، ابتداءً من الخطبة ومروراً بالنزاعات الأسرية وكذلك حالات التطليق والطلاق.

واستطردت: اليوم المحامي والقاضي يرتكزان على نصوص محددة، وأي شخص يلجأ إلى المحكمة يمكنه الاطلاع على المواد القانونية ذات العلاقة، ويركن مطالباته على نصوص صريحة في القانون.

وأفادت الزايد، وهي رئيس اللجنة القانونية والتشريعية لمجلس الشورى: سنشهد منذ الآن وصاعداً “وحدة الأحكام في الدعاوى المماثلة”، إذ كان تفاوت الأحكام الصادرة في الدعاوى المتشابهة يعد إشكالية في السابق.

 

سلطة القاضي

  وأردفت: سابقا، كانت سلطة القاضي بتقدير الأحكام مفتوحة، واليوم النص موجود وواضح، ويرتكن إليه المتقاضون والمحامون والقضاة أيضاً.

وأوضحت الزايد أن المجال أوسع الآن للطعن في الأحكام الصادرة بقضايا الأسرة في محكمة التمييز، وذلك للنظر في مدى مطابقتها لنصوص القانون من عدمه.. باختصار إن محكمة التمييز ستتولى دور الإشراف على إنفاذ القانون.

وفي الشأن ذاته، قالت عضو المجلس الأعلى للمرأة: إن الأصل في الخلافات الأسرية، إصلاح ذات البين، وأمر هذه الجزئية بات محفوظاً بموجب قانون يقر التنظيم الأسري لتلافي مشاكل أعمق.

 

من دون مجاملة

وأشارت إلى أن قانون الأسرة بات العمود الفقري الذي ينظم الأحوال الشخصية في البحرين، وذلك وفق منظومة متكاملة مدعومة بقانون صندوق النفقة، وقانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية، وكذلك قانون مكاتب التوفيق الأسري.

وتعليقاً على ما يثار من انتقادات على بعض نصوص قانون الأسرة، قالت الزايد: من دون أي مجاملة، إن المواد جاءت جيدة، وبالنسبة لـ”الجعفري”، هنالك اليوم نص واضح يمنح الطلاق للضرر، ومبدأ الخلع أيضاً.

 

تخفيف الضرر

وأضافت: إن المرأة الآن يمكنها الحصول على الطلاق إذا ما كان زوجها مدمناً أو دخل الحبس على خلفية قضايا محددة، وعليه فإن القانون أسهم في تخفيف الضرر على النساء اللاتي يعشن واقعاً صعباً.

وبحسب الزايد، فإن جزئية الإدمان لم تكن تدرج ضمن موجبات التطليق، معتبرة أن إصدار القانون ينهي “صبر  الكثير من النساء”.

واستدركت: أدعو المجتمع لمحاولة فهم المواد، ونحتاج تبسيط النصوص لعامة الناس.

 

جلسات المحامين

وتابعت الزايد: آمل بجلسات بين المحامين لنضمن فهما أعمق لقانون الأسرة، فالمحامون هم رجال القضاء الواقف.

بدورها، أثنت المحامية فوزية جناحي على إقرار قانون الأسرة الموحد وما يوفره من غطاء تشريعي لكافة مواطني مملكة البحرين بغض النظر عن المذهب، وهو الأمر الذي يتماشى مع المبادئ الدستورية التي تحظر كافة أشكال التمييز بين أبناء الوطن الواحد.

وقالت: كان لدعم صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة المجلس الأعلى للمرأة فضل كبير في ظهور القانون الموحد إلى النور، إذ كان تأييدها الصريح لصدور القانون أثناء الاحتفال بيوم المرأة في المجال العدلي إشارة بدء لاتخاذ الإجراءات التشريعية النافذة لإصدار القانون.

  

تكدس القضايا

وأشارت إلى أن الدعاوى في المحاكم السنية التي تميزت بوجود قانون كانت تسير بشكل أسرع، وتستغرق وقتاً أقل للفصل فيها...  بمقابل ذلك، كانت الدعاوى تنظر في المحاكم الجعفرية بمعدل مرة كل شهر وأحياناً مرة كل بضعة أشهر مما تسبب في تكدس الكثير من القضايا وتعُطلها.

وتابعت قائلةً: ونتيجة لهذا الواقع كانت القضايا في المحاكم الجعفرية تظل عالقة دون فصل لفترات قد تصل إلى 3 أو 4 سنوات و ترتب على ذلك خلل تشريعي وإخلال بالمراكز القانونية المتساوية للمتقاضين.

وبينت جناحي أن محكمة التمييز كان يمكنها نظر الطعن المبني على مخالفة القانون إذا كان صادراً من المحاكم السنية، بينما لا يمكنها ذلك إذا كان الحكم صادراً من محكمة جعفرية، مما يصنع فجوة بين فئات المجتمع من حيث مدى تمتعهم بالحماية القضائية المقررة كحق أصيل للمواطن، وهو الأمر الذي تم إصلاحه بإصدار القانون الموحد.

 

التطليق للضرر

ولفتت جناحي إلى أن القانون الجديد يحمل نصوصا أوضح تتعلق بالنفقة والحضانة، وغيرها من الأمور التي قد تتخلل أي نزاع أسري، ولذا نتوقع أن يسهم في التسهيل على المحامين والقضاة والمتخاصمين أيضاً.

وأشارت المحامية جناحي إلى أن الآمال كانت معقودة على نصوص أفضل تنصف المرأة الجعفرية وما تعانيه من إشكاليات اجتماعية وأسرية لعل أهمها إشكاليات التطليق للضرر.

وقالت: عندما قرأت النصوص في الجزء الجعفري، تمنيت صياغة أفضل، خصوصًا في جزئية الحضانة (سن الحضانة الإلزامية للنساء، لأنه لم يرد نص قطعي الثبوت حول سن الحضانة).    

واستطردت: إن المحكمة الجعفرية (قبل قانون الأسرة) كان ترفض منح الأم نفقة لأبنائها الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و13 سنة مثلا، باعتبار أنهم وصلوا لسنٍ أصبحت حضانتهم حقاً لوالدهم.

وأشارت إلى أن مادة 129 من القانون الجديد حاولت حل مشكلة قائمة، وهي عدم قبول المحاكم الجعفرية لدعاوى نفقة الأولاد التي ترفعها الأم إذا ما تخطت أعمارهم سن الحضانة الإلزامية للنساء.

 

إزالة اللبس

وأضافت: نصت المادة على الحضانة المشتركة للوالدين مادامت الزوجية قائمة، مما يعطي الزوجة الحق في المطالبة بنفقة أولادها في حالة امتناع الزوج عن الإنفاق، و إن كان النص غير واضح الدلالة وكان يتطلب صياغة أوضح لتزيل اللبس.

وأضافت: كثير من النساء من الطائفة الجعفرية الكريمة لا يسعين للطلاق، وإن كان هنالك خلاف زوجي كبير، بل يلجأن إلى المحكمة طلباً للنفقة من الأب الذي يتخذ موقفاً عدائياً ويحرم أبناءه من الرعاية والنفقة.

 

انتصار الحقوق

غير أن جناحي أكدت في الوقت ذاته أن المواد 112 و 113 تشكلان انتصارا لمسيرة حقوق المرأة عندما نصتا على جواز التطليق للضرر في حالات إدمان الزوج للمخدرات والمسكرات، وفي حالة صدور حكم نهائي ضد الزوج بعقوبة مقيدة للحرية، وهو أمر لم يكن دارجاً ضمن أسباب التطليق أمام المحاكم الجعفرية.

وتطرقت المحامية جناحي إلى جزئية التحكيم في الخلافات الزوجية أمام المحاكم، والتي تتطلب (حكما من أهله وحكماً من أهلها)، وغالباً ما تضطر المحكمة لتعيين حكم ثالث، مطالبة بأن يكون الأخير من ذوي الخبرة.

ودعت جناحي إلى تفعيل دور مكتب التوفيق الأسري التابعة لوزارة العدل والشؤون الأسرية ليكون دوره قبل الطلاق وبعده.