لو أن المطرب الأميركي الفذ فرنك سيناترا مازال على قيد الحياة لكان وبكل تأكيد سيشدو بأغنية العمر بعد أن يسميها “ترامب - ماسك يا ترى ايه اللي جرى”، ما الذي اختلف فيه الأخوان في المصير، والشريكان في قلة الضمير، والشاهدان الملطخة أيديهما بدماء آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة. السكوت الذي لم يكن في يوم من الأيام من علامات الرضا هو الذي شجع نتنياهو على سفك دماء أهلنا في القطاع المهيض، والفيتو “المفهوم” بمنع وقف الحرب في غزة يؤكد أن المطلوب الآن بعد أن انكشف الوجه القبيح للسياسة الدولية الجديدة أن ينسى العالم بعد استيقاظ أوروبا ووضع علامة وقف النار عند إشارات المرور الحمراء و”الحرية” لغزة مع إشارات المرور الخضراء، كان المطلوب إلهاء العالم في لعبة جديدة، تغفيلهم والاستخفاف بهم على طريقة أفلام هوليوود المعروفة، هيا بنا لنستحدث “ترند” على مقاس الحدث، وفرقعة إعلامية بحجة الفيتو الأميركي في مجلس “اللا أمن”، كان المطلوب أن ينسى العالم المجازر والمذابح التي امتدت لتطول ضاحية بيروت الجنوبية، وكان مطلوبًا أن تتحول الأنظار إلى خلاف مضحك مبك بين صديق الأمس وحليف الانتخابات وخصم اليوم ونذير الشؤم في كل ما هو آت، كان مطلوبًا إخراج الفيل الأزرق من كم السترة لكي يصفق العالم لأحد أثريائه الخالدين وأكثرهم تلاعبا وهو يهاجم بلا خوف رئيسه أو زعيم أقوى دولة في العالم.
كاشفًا فضائحه، وممزقًا ورقة التوت شبه الأخيرة من فوق إحدى عورات الرئيس التي كاد الزمن يدفنها، وكانت يمكن أن تصبح في طي النسيان، إيلون ماسك لم يخش على استثماراته التريليونية في تسلا ومنصة xولا على طموحه السياسي كأكبر داعم للحزب الجمهوري ومرشحه ترامب في الانتخابات الأميركية الأخيرة. استعان ماسك بجنونه، واستلهم العبر بعبقريته وجنوحه وجموحه وهلوساته التي لا تعد ولا تحصى، يقولون إن مشروعه الضريبي الذي فقد عقله، ويشيرون إلى أم المعارك مع “حبة عينه” ترامب وهو يضطر أن يعيد صديقه إلى مربع الفضائح الأول في علاقات مشبوهة واتهامات لا أول لها ولا آخر، المدهش حقا والغريب أن ترامب احتفظ ولأول مرة بهدوء أعصابه على غير المعتاد، لم يقلب “الطاولة” على ماسك، ولم يرد له الصاع صاعين مثلما عودنا، ولم يفتح الصندوق الأسود له على غرار ما فعل ترامب بصديقه “المؤقت”، فقط اكتفى ردًّا على سؤال أحد الصحافيين له؛ وكيف ترد على اتهامات ماسك لك: اكتفى الرئيس برد مقتضب: سوف نعامل استثماراته مثل الآخرين، في إشارة واضحة منه لإلغاء كل المعاملات التفضيلية التي كان يحظى بها ماسك عقابًا له على فعلته.
ترامب - ماسك مسلسل هزلي كان يدرك السياسيون أنه مثل شهور العسل الأخرى لن يدوم سوى بضعة شهور، وأن الطلاق الأبدي سيصبح أبديًّا مع أول شماعة قد تلوح في الأفق، ولم يجد الصديقان وقتًا ملائمًا لإعلان العداء إلا هذه الأيام وبتلك الطريقة المناسبة جدا لما تعيشه البشرية من حياة افتراضية، وتجارب إنسانية أكثر من رقمية وأقل كثيرًا مما يعتقد بأنه ضرورة حتمية، وللضرورة أحكام.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية