يفترض البعض جدلًا أن الصحافة لم تنجح في التعبير عن حقوقها، وأن الاتهامات التي من المفترض توجيهها لها لم يتم توجيهها حتى الآن، وهؤلاء البعض وبالأرقام يظهرون الصحافيين وكأنهم متهم بريء رغم ثبوت إدانته، متهم بالتقاعس عن حقوقه، والتغافل عن مستحقاته، والدفاع عن مصالحه، والاتهام مجرد افتراض لأن أحدًا لا يستطيع توجيه الاتهام لمن هم ضالعون في توجيه الاتهام، ولمن هم مدرجون على لوائح الممنوعين من الكلام، متهمون بالتقاعس لأنهم تخاذلوا أو خذلوا جسمهم الذي يعاني، لم يدافعوا ككتلة صحافية موحدة عن حقوقهم في معاش تقاعدي، وعن مصائرهم بعد أن يمضي شرخ الشباب إلى غير رجعة، ويواجه كل منهم شيخوخته المبكرة بقلب مثخن بالطعنات، وصدر مفعم باليأس والإحباط.
المتهم الافتراضي بريء لأنه ارتكب كل هذه المخالفات في حق مستحقاته، وفي مستقبل مهنته من دون قصد، وليس عن سوء نية، ولأنه بريء بالأرقام، ولأنه لم يكن ينوي على شيء بالأدلة والبراهين، ونحن في معية حفل اليوبيل الفضي لجمعية الصحفيين ليلة الأحد الماضي سمعنا كلامًا، واستمعنا إلى محسنات بديعية من مختلف مسؤولينا عن الإعلام، وهم جميعًا فعلوا المستحيل من أجل أن يكون للجسم الصحافي كيان، وأن يصبح للمشروع الإصلاحي الكبير لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم درع وصوت مسموع في الداخل والخارج، هو ما يجعل الجميع يتحلون بالحكمة والدفاع عن الثوابت والهوية وفق ضوابط ترتبط بحماية الحريات وعدم المساس بها وفقًا للقانون، وفي ظل اللوائح والتشريعات التي تحفظ حقوق الغير في صون مواقفهم من التشويش والتشويه والشوشرة.
المتهم الافتراضي، لم يكن متهمًّا ولا افتراضيًّا، ولم يأت إلينا من عالم آخر لكي نعتبره غير موجود في الأساس، ذلك أن جمعية الصحفيين بذلت جهودًا مشكورة طوال الـ 25 سنة الماضية من أجل صون كرامة الصحافي والمحافظة على حقوقه في التعبير والتعبير عن التغيير، رغم ذلك لم تنجح الجمعية حتى اللحظة لأسباب لوجستية في أن تقنع الجهات المسؤولة بأن تمنح للصحافي المحترف بعد تقاعده راتبًا، ولم تنجح حتى اللحظة في إيجاد مشروع حياة آمنة مطمئنة لكل صحافي لكي لا يجور عليه الزمن ويجد نفسه في نهاية العمر بلا دخل أو راتب أو ما يسد رمق العيش.
ذلك هو ما كان يهمس به الصحافيون في يوبيلهم الفضي ليلة الأحد الماضي، فبينما كان الجميع يتبادلون التهاني والتبريكات، وفي الوقت الذي كان ضجيج الاحتفاء بالمناسبة الجليلة يدوي ويضوي في الأركان، كان هناك من يهمس تحت لهيب الحدث بأن المناسبة كغيرها من المناسبات خرجت بلا طحين، ودون مكاسب ترتبط بالشمعة التي تحترق ولا تجد بعد آخر ضوء أي بصيص أمل في إعادة إشعال عود الثقاب من جديد.
انتهت المناسبة والدموع في عيون بعض الصحافيين المتقاعدين، والذين لا تقاعد لهم إلا ما رحم ربي من إعانات أو تقاعد زهيد نظير العمل غير الصحافي بمؤسسة ليست إعلامية، في حين اكتفت المنظومة باعتبار الصحافي هو الذي يعمل إلى حين يحل موعد تقاعده في صحيفة ما، من دون الأخذ في الاعتبار الصحف التي أغلقت أبوابها وما تضمه من صحافيين ضاعت حقوقهم، ومن دون الانتباه، لأن ليس كل من يكتب عمودًا هو صحافي متقاعد أو أقعده الزمن بالضرورة.
حتى قانون الصحافة أو مشروعه السواح داخل أروقة مجلس النواب منذ سنوات لم ينجح في وضع تعريف محدد للصحافي، على الرغم من محاولات جمعية الصحفيين عبر مجالسها المتعاقبة أن تضع خيطًا في هذا الثوب الفسيح، وعلى الرغم من أن “للضرورة أحكامًا” حيث الضرورة تقضي أن يتمتع الصحافي شأنه في ذلك شأن زملائه في أي مكان بالعالم بنفس الحق في الحياة، ونفس الحق في العيش بكرامة وإباء، مر اليوبيل الفضي لجمعية الصحفيين وسط حب الجميع للجميع، وترحيب الجميع بالجميع، وأمنيات الجميع للجميع، ولكن ظل المتهم الافتراضي البريء بريئًا، والتفاعل الرقمي رقميًا جريئًا، وما بين اللحظتين دقائق عشناها في غاية السعادة وتبادل الذكريات مع أعز الناس.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية