المبادرات التي تخرج بها صحيفتنا الغراء “البلاد” من أجل تطوير محتواها الصحافي، ومضمونها المهني، وهيئتها المؤسسية، تؤكد لنا يومًا بعد الآخر أن لدينا صحافة وطنية تستطيع محاكاة التكنولوجيا الفارقة، وأن لدينا صحافيين واعين أهمية مواكبة مختلف تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومدى قدرتنا على توظيف هذه التقنية المحدثة من أجل إحياء تراث مملكتنا الحبيبة، بل وإعادة شخصيات ساهمت في تسطير تاريخ مجيد للبلاد والمنطقة، ليس في مجال الصحافة والإعلام فحسب، إنما أيضًا في مختلف المجالات الأخرى، علمية وثقافية وطبية وتجارية ومصرفية وغيرها.
لقد أحدثت مبادرة “عبدالله”، الشخصية البصرية لمؤسس الصحافة البحرينية عبدالله الزايد، دويًّا هائلًا في أوساط المثقفين وهؤلاء الذين يدركون الأثر الذي تركه “الرائد” الزايد وسط الأجيال المتعاقبة من بعده، وهؤلاء الذين يفتشون في “حصالة” التاريخ فلا يجدون سوى أقل القليل من معلومات عن رموزنا السياسية والثقافية والإعلامية ومختلف قوانا الناعمة.
“البلاد” أعادت الصحافي الكبير عبدالله الزايد إلى الواجهة الإعلامية من جديد، تحدثت مع تقنية الـ “شات جي بي تي”، حاورتها حول كيفية تحقيق البعث الافتراضي لشخصية تاريخية جديرة، وكيفية رسم الهوية البصرية لصحافي رحل عنا منذ زمن بعيد، لكنه رغم ذلك ترك لنا أثرًا بعد عين، إنجازًا بعد إنجاز، مبادرة في الكتابة وتحويل ما يرد إلينا من مجرد مقالات أدبية إلى مادة صحافية تحاكي الأحداث، وتتعامل مع المستجدات وتتكيف مع الواقع الافتراضي الراهن، وذلك الذي نشأ فيه تقليديًّا أو “مانيوال”.
لقد تعاملت تقنية الذكاء الاصطناعي مع ما بقي لدينا من صور قديمة للرائد عبدالله الزايد بمنتهى الذكاء الطبيعي، والاحترافية والمهنية، فاستحضرته أو حضرته من تحت أبخرة المسك والعنبر والبخور الهندي العتيق، فجاء الوجه مثلما نرى ومثلما يُحكى عن وجاهته، ودقة ملامحه عندما كان شابًا يافعًا، وصحافيًّا بارعًا، وإنسانًا رائعًا، هو ما تحكيه عنه سعادة النائبة دلال الزايد، وهو ما كان يتحدث معنا عنه صحافيونا المخضرمون الراحلون، خليفة حسن قاسم وأحمد سلمان كمال ومحمد بن قاسم الشيراوي وعلي سيار ومنصور رضي ومحمد الماجد، وغيرهم من الذين عاصرتهم وتعاملت معهم، بل ورافقتهم منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الرحيل الكبير.
لقد أحدثت مبادرة “البلاد” دويها الهائل، وتركت في النفوس الأثر الكبير، وشجعتنا على التفكير في عمل إبداعي موازٍ بإنشاء متحف لكل ما هو افتراضي في بلادنا، لكنه كان حقيقيًا مؤثرًا في يوم من الأيام، وأن تمتد مبادرة أصدقائنا في “البلاد” لتشمل شخصيات بحرينية بارزة أخرى ساهمت في تشكيل هويتنا الوطنية، وبناء شخصيتنا المميزة، لتجعل منا دولة لها تاريخ، وحضارة وأثر عميق في النفس، وأثر أكبر في الهوية البصرية الصحافية لأجيال تعاقبت، وشخصيات أثرت، ورموز رحلت.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية