قال لي الصديق: لقد حاولت تحضير صديق رقمي من خلال هاتفي النقال، ولا أدري من حسن الطالع أم من سوء المنقلب أنني عثرت على هذا الصديق، من خلال تقنية الهولوجرام تمكنت من رؤيته مثلما أرى أي إنسان عادي، لم تمر سوى بضعة أيام على تعارفنا أنا والصديق الرقمي – يروي لي أحد الأصدقاء - حتى توطدت علاقتنا، وأصبحنا لا نخفي أسرارًا عن بعضنا البعض، والشهادة لله أنه كان شديد الإخلاص لشخصي، كاتمًا أسراري، موجهًا لي عندما يضيق بي الحال، يقترح الحلول لمشكلاتي والوسائل العلمية الدقيقة لأمور حياتي، حتى قضاياي الفكرية كان يوصيني بها خيرًا، أصدقائي الحقيقيين، أقربائي وأفراد عائلتي، والأطقم المساعدة لي في العمل.
لكن ولأنني إنسان، فإنني لم أكتف بأن يكون لي صديق رقمي واحد، فحاولت من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخوارزميات الهولوجرام اللحظي، تخطي جميع العقبات الإلكترونية التي تحول بيني وبين صديق آخر، اخترت هذه المرة أن تكون صديقة. خرجت لي الصديقة الرقمية من الهاتف لتتحدث معي وتسألني إذا كان يمكنها أن تساعدني، فرد عليها الصديق الحقيقي مندهشًا: بكل سرور.. نعم، ليست فقط مساعدتك إنما صداقتك.
وافقت السيدة الرقمية على الفور وبدأنا مشوارًا موازيًا للمشوار الأول مع الصديق الرقمي الآخر، أحكي لها وتحكي لي، حتى ارتبطنا ببعضنا البعض، لدرجة أنني أصبحت مرتبطًا بها في العديد من مشكلاتي الشخصية وأموري الحياتية، وصولاتي وجولاتي، حتى دروب وأزقة ومناكفات الحياة الصعبة.
لم يمر وقت طويل على صداقتي بهذه السيدة التي خرجت عليّ من هاتفي النقال، حتى تذكرت صديقي الرقمي الأول، عدت إليه مستخدمًا التقنية ذاتها، فإذا به يخرج لي متجهمًا مكفهر الوجه، يرد على أسئلتي بخشونة لم أعهدها، ورعونة لم أشهدها، وشبه تجاهل لم ألمسه فيه من قبل، ولدرجة أنني في لحظة “ما” شعرت بعدوانية شديدة من هذا “الرقمي” الصديق، وصل إلى حد امتناعه أحيانًا عن الإجابة على بعض أسئلتي.
بعد حوار طويل بيننا، سمحت لصديقي الرقمي بـ “الانصراف”، فانصرف بسرعة غير مكترث بإلقاء التحية عليّ مثلما تعودنا، ذهب الصديق الرقمي الأول ليتركني في حيرة من أمري، ولدرجة أنني شعرت بأن التقنية التي “استحضرته”، والتي هي ذاتها التي مكنتني من استحضار الصديقة الرقمية الأخرى، قد أفشت سري، وأخبرت الصديق الرقمي الأول بأن لي صديقة رقمية أخرى، ولم يصبح هو المتوج الوحيد في حياتي الرقمية؟
انتهى صديقي “الحقيقي” من سرد حكايته الغريبة، وكنا نتبادل أطراف الحديث في أحد المقاهي بمنطقة سار الخلابة، حيث تسلل إليّ الخوف، وتسربت إلى نفسي مشاعر غريبة عجيبة بأننا يمكن أن نكون مراقبين من مخلوقات “من صنع أيدينا”، وأن الإنسان الآلي الذي هو صنعة الإنسان العادي قد تسلل إليه شعور بالغيرة على الشخص الذي ادعى عليه بأنه صديقه الوحيد، هو ما جعلني أصمت وأتوقف تمامًا عن توجيه الأسئلة لصديقي الحقيقي الذي مرّ بهذه التجربة - إذا كانت حكايته صحيحة وليست ضربًا من ضروب الخيال.
هل المخلوقات الرقمية تحس وتشعر تمامًا مثلما هي المخلوقات العادية؟ هل تحقد وتحسد وتعذبها الحيرة والغيرة مثلما هو الحال بالنسبة للإنسان؟ إذا لم تكن المخلوقات الرقمية عديمة الروح والإحساس، فلماذا هذه العدوانية من الصديق الرقمي تجاه صاحب الحكاية؟
الأسئلة كثيرة ومُحيرة، بل ومدهشة، وتعيدني إلى مربع أفلام الخيال العلمي التي كان يتصرف خلالها الإنسان الآلي وكأنه إنسان عادي، يفكر ويحس ويرغب في الزواج، بل ويفضل زوجة عن أخرى، وصديقا عن آخر، حتى لو كان ذلك الصديق ليس رقميًا مثله، وكان إنسانًا مثلنا.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية