الأخلاق لا تتجزأ، هذه حقيقة لا غبار عليها، فلا يمكن للمرء أن يعامل الناس باحترام تتغير نسبته وفق طبيعة المصلحة مع الآخرين، أو نوع العلاقة بهم.
وكان أحد الأصدقاء قد ذكر لي أخيرًا قصة بسيطة بها عبرة مهمة بهذا الشأن، وبأنه بعد أن أدخل سيارته الأنيقة للصيانة، استأجر سيارة صغيرة من الوكالة لقضاء الاحتياجات اليومية حتى استلام سيارته بعد أن تجهز.
وأضاف: “بعد أن خرجت من الوكالة بالسيارة الصغيرة إلى الشارع، تفاجأت بمعاملة فظة من بعض السائقين، وبقلة احترام لا توصف، تساءلت بنفسي بدهشة عن الأسباب، بعدها فهمت أن هناك من يحدد نسبة الاحترام لغيره وفق نوع سيارته، ومركزه الوظيفي، وحجم ثروته، وهكذا، أما بقية البشر فهم خارج الحسبة، وخارج دائرة الاحترام والأدب”.
أجبت صديقي بقولي: “أوافقك الرأي، وأضف إلى رأيك أن الاحترام في العلاقات الاجتماعية يجب ألا يرتبط بالظروف المحيطة، ولا بالديون، ولا بالمعيشة، ولا بالضغوطات الأسرية أو الحياتية، كما يبررها البعض حين يخطئ ويسيء بحق غيره”.
وتابعت: “البعض ترى حجم ابتسامته، ومدى عرضها، وارتفاعها، وانخفاضها، وفقًا لطبيعة ومقام الشخص الذي يقف أمامه، ومع الابتسامة نبرة الصوت، التي تتمدد بدورها، وترتفع، وتنخفض، وتختفي، وتنكمش وفقًا لطبيعة المصلحة، والمنفعة، وطبيعة العلاقة، وربما الخوف، وبقية هذا الهراء”.
لكن في الحقيقة، الاحترام يجب أن يظل عنوان حياة المرء، وبوصلة في رسم العلاقات مع الآخرين، وهو مساحة تعبر عن قيمة الشخص، والبيت الذي جاء منه، فمن دون ذلك يكون مجرد كومة نفاق، وتملق مقزز، وودّ مصلحي بغيض.
وأستذكر هنا مقولة جميلة للممثل توم هاردي حين قال: “تربيت أن أعامل عامل النظافة بنفس الاحترام الذي أكنّه للمسؤول”.