قد يعتقد البعض أنه لا علاقة بين “زيد وعبيد”، بين ما حدث يوم الجمعة الماضية في القاهرة، وما رأيناه من دعم سام لمنظومتنا الصحافية من قادتنا في البحرين. في القاهرة انتخابات نقابة الصحافيين، وفي المنامة احتفالات صحافية بيوم الصحافة العالمي. في القاهرة كانت المنافسة على منصب النقيب على أشدها، بل والصراع بين فريقين وصل إلى حد ما أطلقوا عليه في “السوشال ميديا” بـ “صراع الكشري والكباب”، في المنامة ضجيج وهتاف للصحافة الوطنية، وتقدير معنوي لأصحاب مهنة المتاعب، لكن لا القاهرة عبرت عن هموم الصحافة بوصفها مهنة “من لا يملك قوت يومه”، ولا المنامة طرحت الاستحقاقات الضرورية المهضومة للصحافيين المتقاعدين وأشباه المتقاعدين.
كلٌّ يغني على ليلاه، القاهرة صراع بين الآيديولوجيا والمصالح، بين فكرة النقيب ودوره السياسي في المجتمع، والنقيب - الوظيفة والمسكن وبدل التكنولوجيا، أي بين المبادئ والفلوس. أما المنامة، فقد كان الصراع خافتًا بين المطالبين بحقوق، وهؤلاء الممتنعين عن الدفاع عن هذه الحقوق، مواجهة مستترة بين من تركوا المهنة غصبًا بعد إفلاس صحفهم، وهؤلاء المستريحين على الأرائك فيما تبقى لدينا من صحف بعد رحيل صحف عدد من الصحف.
في القاهرة نقابة تضم عشرات الآلاف من الأعضاء الذين يسددون اشتراكاتهم السنوية بانتظام، ولديها مبنى تاريخي أثري منذ ثلاثة أرباع قرن من الزمان، وفي القاهرة أيضًا تقوم هذه النقابة بدفع رواتب تقاعدية للذين فقدوا وظيفتهم في صحيفة من الصحف، أو هؤلاء الذين أغلقت صحفهم لسبب أو لآخر، إلى جانب بدل التكنولوجيا المرشح لكي يتجاوز الستة آلاف جنيه شهريًّا.
في المنامة جمعية صحافيين تضم المئات في عضويتها، ومعظمهم غير منتظمين في سداد اشتراكاتهم السنوية، ولا تمتلك هذه الجمعية أية موارد أو استثمارات أو إعانات لا من بنوك، ولا من شركات كبرى، ولا يحزنون.
ما يخصنا ليس ما حدث في القاهرة من صراع على منصب النقيب، أو من تنافس قل فيه ما شئت بين من يمتلك صلاحيات الحصول على المال، ومن لا يمتلك سوى مبادئه. المدهش حقًّا والغريب أن المبادئ انتصرت على الفلوس، وفاز بمنصب النقيب صاحب وليمة “كشري أبو طارق”، ومن لم يفز هو سيد الولائم “كباب أبو شقرة”، المبادئ تنتصر على المصالح، والأمل يهزم الواقع، لماذا؟ لأن المنظومة الصحافية العربية فقدت القدرة على الحلم، على الفوز بأقل الخسائر، على خصوم قتلوا الأمل فينا منذ المهد من المهنة، لم تكن هناك حماية للصحافي ضد مخاطر الحرب والفقر والمرض والقضايا الكيدية، ليس لدى الصحافي العربي درع وسيف بعد أن كبلته قوانين العيب والنشر والمحاذير التاريخية الخمسة.
الصحافي لم يعد أمامه طريق للأمل غير التشبث بشعار أطلقه مترشح لمنصب النقيب ومعه مجموعة من الشباب فوق أو تحت السن، والصحافي العربي يبحث أينما كان وأينما حل عن السند حتى يؤدي مهماته على أكمل وجه.
الصحافي العربي مهمته مضاعفة الدفاع عن شرف المهنة، إلى جانب دفاعه عن سمعة الوطن والمواطن ضد تيارات التغريب والفساد والإفساد التي تحاصر مجتمعاتنا من كل حدب وصوب، الصحافي العربي يدافع ويبدع وفي يده عود ثقاب، والصحافي الغربي يصون وطنه بالتكنولوجيا والكشافات الإلكترونية والمنارات الدوارة في أعالي البحار.
الصحافي العربي يكد ويكدح من أجل أن يوفر قوت يومه وأقساط مأواه، وعلاج ما يصيبه من أمراض في نهاية العمر وعندما تضمر الحياة، أما نظيره الغربي فتوفر الدولة له ولأمثاله مسكنًا مجانيًّا عائليًّا لائقًا، ومعاشًا تقاعديًّا شهريًّا مميزًا، وعلاجًا ومواصلات بالمجان في كل مكان.
الصحافي العربي يعمل حتى يموت، ونظيره الغربي يعمل حتى يقول: “هذا يكفي، لقد حققت كل أحلامي”.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية