تذكرت جمهوريات الموز في أفريقيا، والبيوت المشيدة من الزجاج في أميركا الوسطى، وتلك المصنوعة من الذهب الخالص في سلطنة بروناي، كلها حالات شاذة لدول غاية في الاعتدال، لشعوب لا تستنفر شعوبًا أعرق، وأمم لا تضحك شماتة في أمم أخرى.
هذا على المستوى الشعبوي، وذلك على نطاق الكيانات الدولية بأشكالها وتضاريسها وتواريخها المختلفة، أوطان لها من السمات ما لشعوبها من أصول، وألوان وعقائد وأعراق، جغرافيًّا ترتبط بمكان وزمان وإنسان. على المستوى المؤسسي لا نجد أن لكل قاعدة شواذا إلا من رحم ربي، ولا نكاد نعثر على “الغريب العجيب” إلا ونحن نقوم بزيارات خاطفة ورحلات ترفيهية لحدائق الغابات المفتوحة، ولأدغال المخلوقات الجريحة. المؤسسات كما هي الدول، جزء لا يتجزأ من منظومتها الإطارية والقانونية، حالة خاصة.. نعم، لكنها مرتبطة بتشريع ودستور وأحكام عامة لا يمكن تجاوزها. مؤخرًا قرأت عدة مقالات خارج جميع السياقات وتخص غرفة البحرين – بيت التجار سابقًا وغرفة تجارة وصناعة البحرين في أيامها الخوالي – قرأت من بين ما قرأت استهجانًا من بعض التجار، ومقالات عابرة للحدود، جميعها.. جميعها تدين اجتماع الجمعية العمومية “الأبريلية” الأخيرة لغرفة البحرين، تدين ما نسبتهم 1 % من مجموع التجار حسب ما ورد في العريضة أو البيان، أو ما جاء على لسان “الصحافة الرقمية العابرة”، هم الذين أيدوا فكرة “رئيس إلى الأبد” ومجلس إدارة حتى إشعار آخر.
قرأت من بين ما قرأت وليس “ناقل الكفر بكافر”، أن هناك ثروات تتم السيطرة عليها، وسلطات يتم انتزاعها من عموم التجار، وقرارات من الشوارع الخلفية يتم فرضها على الشارع التجاري الرئيسي في البلاد.
فهمت أن هناك تيارًا أيًا كان حجمه يناهض قرارات الجمعية العمومية “الأبريلية” الأخيرة، بل ويرفضها جملة وتفصيلاً.
القانون قبل مشروع تعديله لا يسمح لرئيس الغرفة بأكثر من فترتين متتاليتين، على أن يكون التجديد من خلال انتخابات ديمقراطية حرة مباشرة من جموع التجار، مثلما هو الحال منذ أكثر من سبعين سنة.
الكيان الديمقراطي حسب ما يُشار تم اختطافه، هكذا تدعي البيانات، والغرفة التجارية الشعبوية تتم إزاحة قانونها باجتماعات يُقال إنها ليست مطابقة للقانون، وإن تعديل القانون لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة الانتقائية التي تحاول وضع رئيس “مدى الحياة” لهذه الغرفة العريقة التي ترأستها بالانتخاب الحر المباشر أسماء لها “شنة ورنة”، وقامات تجارية ساهمت في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد لعدة عقود مضت.
الغرفة تدخل اليوم منعطفًا تاريخيًا جديدًا “تكون أو لا تكون”، تحقيقات صحافية بصوت مسموع ليس من المعارضين لخطوة أبريل الجاري، إنما أيضًا من المؤيدين الضالعين في الفعل نفسه، حيث الإشارت جميعها تتجه نحو مجلس الإدارة الراهن، ولا شيء سواه.
في جميع الأحوال، لا يهمني من هذا أو ذاك سوى مصلحة هذه الغرفة العريقة التي شرفت بتغطية أنشطتها من خلال عدة صحف محلية وإقليمية على مدار ثلاثين عامًا على الأقل قبل انخراطي في العمل الإعلامي الجامعي قبل عشر سنوات، رغم استمراري في الكتابة بالصحافة المحلية والعربية، ووجودي كمعلق اقتصادي ومحلل مالي وسياسي في عدة قنوات عربية أهمها الإخبارية السعودية والغد المصرية الإماراتية، وعدة قنوات أخرى “حسب الطلب”، لا يهمني إلا أن تكون غرفة البحرين بخير، وأن يكون تجارها في كامل عافيتهم لاختيار مصيرهم بأنفسهم، فإذا كان ذلك المصير يراعي مصلحة التجار من دون تفرقة أو تمييز، وإذا ما كان الاختيار قائمًا على ما يُطلق عليه “رئيس إلى الأبد.. إلى الأبد”، وذلك الذي يتم انتخابه بالوسائل الشرعية المعروفة، فترتين متتاليتين ليس إلا، فإنني بكل تأكيد مع الصالح العام، ورأب الأصداع أيًا كان مصدرها، وأيًا كانت أبعادها.
الغرفة التجارية هي أهم وأعرق غرفة تجارة في دول المنطقة، ولا يصح ولا يستقيم أن تبقى أجهزتها مشلولة وعاجزة عن “توضيح ما يلزم”، بل وعن “لزوم ما يلزم”، وذلك حتى لا يفهم البعض منا “أن السكوت علامة الرضا”، وأن المسكوت عنه فيما مضى سيظل مسكوتًا عنه مثلما مضى.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية