كثيرة هي الأمراض التي تحتاج لتغطيات تأمينية، لكن بعض شركات التأمين لا تقبل بها، وخطير السكوت عليها، لأنه يُعرّض صاحب الوثيقة للموت لا سمح الله، وكثيرة هي الحالات التي ترفض تغطيتها شركات التأمين، خصوصًا تلك التي تحتاج إلى التغطية، مثل السرطانات بأنواعها، وبعض الأمراض الفيروسية إن لم يكن كلها، والعديد من العمليات الجراحية إن لم تكن جميعها.
وثيقة التأمين ليست منّة من شركة التأمين، لكنها عقد، والعقد شريعة المتعاقدين وليس شريعة الرابحين، هو عقد به تبادل للمنافع، ومراعاة للظروف، و”بزنس” أولًا وأخيرًا. ليس مهمًّا أن تكون كل بوالص التأمين مربحة لو كان الطرف الآخر شركة أو بنكًا أو مؤسسة، فالرابح يغطي الخاسر، بل ويعوّضه عما يلحق به من أضرار. لا يمكن أن تكون كل الوثائق التأمينية مربحة، وليست بها مخاطر، ومعدلات التغطية فيها غير مأمونة العواقب. شركة التأمين لا يمكن أن تتحوّل لـ “مغسلة موتى وتضمن الجنة”، ولا يمكن أن يكون المريض بمرض خطير حالة يتم تسليعها للحصول من ورائها على أكبر عائد، وإلا فطلب التغطية يتم رفضه ولا أحد يستطيع مناقشة الشركة أيًا كان هذا المتضرر، أو طالب الخدمة.
إحدى الشركات أرسلت للصيدليات رسائل تضيف ما نسبته 10 % زيادة على تكلفة الدواء الذي يتم صرفه للمصابين بأمراض مزمنة، وكان المعدل السابق 20 %، هذه النسب كلها تعود إلى طبيعة الوثيقة.. هذا صحيح، ولكن الزيادة تتفاوت نسبتها من صيدلية لأخرى، ومن دواء لدواء، ومن حالة إلى حالة.
أي أن القواعد الثبوتية لم تعد كما الأدلة الثبوتية، قاطعة في جميع الأحوال، وأن حرص شركة التأمين على الربح في جميع الأحوال هو الذي يخفي أو يتعارض مع مصالح المؤمن له، حتى الجمعيات المهنية فشلت في إبرام اتفاقيات مع عدد من شركات التأمين بحيث تكون الرسوم مخفضة نظرًا لطبيعة عمل المنتمين لهذه الجمعيات، تمامًا مثلما هو الحال بالنسبة للجيل الجديد الذي تولى إدارة هذه الشركات ولم تكن لديه الخلفية الكافية لمراعاة طبيعة المجتمع البحريني، وخصوصية المؤمن عليهم، ونوعية الأمراض السائدة، وخطورة السكوت عليها، حتى يأتي الرد الكسول من الشركة الكسولة بطيئًا بطيئًا.. إذا ما كان المؤمن عليه يستحق الخصم أو التغطية التأمينية أم لا.
حقائق مجردة لحالات بعينها، تم التعاطي معها على أعلى درجة من الحرص على مصالح جميع الأطراف، فليس من المعقول أن تكون لدينا شركات تأمين تعاني أو مريض في خطر أو مؤسسة لا تقوم بالواجبات الملقاة على عاتقها تجاه موظفيها، المنظومة كلها مرتبطة ببعضها البعض، ومصالح متشابكة وليست مشتبكة أو متضاربة.
من هنا لابد من إعادة النظر في نصوص الوثائق التأمينية على الموظفين، خصوصًا هؤلاء الذين يمارسون مهنا حساسة، وأولئك الذين يحتاجون للرعاية الصحية كأولوية إنسانية قصوى تفوق كل الأولويات التجارية الأخرى.
*كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية