العدد 6020
الثلاثاء 08 أبريل 2025
banner
الحرب العالمية التجارية.. مع الشغل والنفاذ
الثلاثاء 08 أبريل 2025

 لم تمض سوى ثلاثة شهور على دخول ترامب البيت الأبيض حتى أصدر قراره التاريخي ليس بضرب أية عاصمة في العالم بالقنابل النووية أو الصواريخ الباليستية، لكن بالبدء في الحرب التجارية العالمية التي شنها الرجل على كل عواصم وبلدان الدنيا (نحو 180 دولة). ما إن حل علينا صباح الجمعة الماضية حتى فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم بفرض رسوم جمركية على الصين والدول الأوروبية وبعض الدول الأخرى بنسبة 34 % على جميع البضائع الواردة من هذه البلدان إلى الأسواق الأميركية، وما نسبته 10 % على بضائع الدول التي لديها اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأميركية، وإنهاء ما يسمى بالمعاملة التفضيلية، وما إن وصل إلى مسامع الأسواق المالية العالمية الخبر، حتى أعلنت عن خسائر هي الأعلى في تاريخها، بمقدار تريليوني دولار أميركي في أول ساعة، إلى جانب تريليون دولار بعد مرور 24 ساعة من صدور القرار “الترامبي” الرهيب. 
قامت الدنيا ولم تقعد، وعلى الفور كشرت الصين عن أنيابها، وأصدرت قرارًا بالمثل، وفرضت 34 % رسومًا جمركية على جميع السلع والمنتجات الأميركية الواردة إلى الدولة العظمى الثانية في العالم. الاتحاد الأوروبي عقد اجتماعًا طارئًا شارك فيه وزراء تجارة واقتصاد وخارجية الدول الأوروبية الكبرى، بما في ذلك المملكة المتحدة. وخلال الثمانية والأربعين ساعة الماضية مازال الاتحاد الأوروبي منعقدًا، وملوحًا بلائحة رسوم جمركية ما أنزل الله بها من سلطان على الولايات المتحدة الأميركية.
لكن ولأن سلطة الاتحاد لم تعل حتى اللحظة على سلطة الدولة الوطنية، خصوصًا إذا كان الأمر متعلقًا بـ “البعبع” الأول الذي أخاف العالم، وأرهب الدول المسالمة “بنما وجرينلاند”، وتلك التي ذهبت مع الريح “غزة”، مازال الاجتماع منعقدًا ولم تصدر عنه سوى قرارات بالتلميح والتلويح لا بالتصريح أو التجريح.
 هذا الأمر رفع تكلفة الحياة على إنسان هذا الكون “المريض” بنفس مقدار نسبة الرسوم الجمركية الجديدة، أصبح الإنسان البسيط لا يستطيع العيش تحت وطأة هذه الرسوم، فالأعباء أصبحت أكثر، والمشكلات صارت أضخم، واقتصاديات الدول بدأت تشهد موجة ركود لم يسبق لها مثيل، حتى ذلك الذي ضرب المعمورة في عام 1929.
 أما الذهب الذي تجاوزت أسعاره جميع السقوف، وأصبح يناطح الرقم 3300 دولار للأوقية، تراجعت هذه الأسعار إلى حدود الثلاثة آلاف دولار، ولا أحد يعلم ماذا يخبئه المستقبل لجميع الأوعية الاستثمارية الأخرى التي تراجعت مع ارتفاع التضخم، وبدأت صناديق التحوط والاستثمار بيع محفظتها التي تقدر بنحو 40 مليار دولار أميركي. النفط أيضًا لم يفلت من الكارثة حيث تراجعت أسعاره “برنت” إلى حدود 65 دولارًا للبرميل، وتكساس إلى نحو 61 دولارًا للبرميل ذاته.
المدهش حقًّا والغريب أن ترامب الذي ضرب العالم بصواريخ الرسوم الجمركية العابرة، ودمر اقتصاديات كانت على وشك الخروج من مآزق أزماتها المتلاحقة، هو ذاته الذي خرج بنفسه ليعلن أنه يمكن أن يعيد النظر في هذه الرسوم، لكنه لم يقل لنا لماذا وكيف ومتى، خصوصًا أن سعر موبايل الآيفون قفز مع هذه الرسوم إلى نحو 2300 دولار أميركي، وأن كل بضائع “الكوبي وان” و”الكوبي تو” الصينية ارتفعت أسعارها بمقدار الثلث تقريبًا في الأسواق الخارجية حتى قبل التطبيق الفعلي للتعرفة الجمركية الجديدة.
حرب عالمية.. نعم، كارثة تجارية وأزمات اقتصادية.. أيضًا نعم، لكن الذي لا يعلمه أكثر الاقتصاديين المحنكين تشاؤمًا هو ما يمكن أن يحدث غدًا، رغم أن غدًا لناظره قريب.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .