لا أحد يشك في أن العراقة لا تفنى ولا تخلق من العدم، وأن التاريخ المحسوب بالأرقام قد لا يعني بالضرورة أنه تاريخ مكتوب بحبر القلب أو بشق الأنفس، بقدر ما هو منسوب للأثر الذي يتركه، والدور الذي يلعبه، والأخلاق التي يغرسها في المجتمع.
وعلى الرغم من عدم إيماني الكامل بـ “السوشال ميديا”، وما يأتي منها أو ما يُكتب فيها، ورغم أن الآراء المتناقضة قد تكون لصالح الجهة المعنية بـ “الموقف” و”الموقف الآخر”، إلا أن ما قرأته قبل أيام على صفحات أحد المواقع الإلكترونية أحسست فيه “عدم إنصاف” أكثر مما اكتنفه من توفيق لرصد حالة بيت التجار بعد العزلة، أو بعد أن أصبح البيت مهجورًا إلا من أثاث فاخر، وعمالة لم تعد تبحث عن مستحقاتها نهاية كل شهر.
بيت التجار أو “غرفة البحرين”، بعد أن تحولت من غرفة تجارة وصناعة البحرين على طريقة “ما قَلَّ ودَل” أو المختصر المفيد، عليها من المآخذ أكثر مما لديها من الإنجازات، هكذا يقول المقال أو هكذا يدعي، وهكذا أتردد في نقل المكتوب حتى لو اختلفت معه، أو اتفقت خشية أن أقع في الفخ، أو أن “أصعد إلى الهاوية”. المشكلة كلها في قانون الغرفة، في تعديل اللائحة لتسمح برئيس لأكثر من دورتين، ربما على طريقة “إلى الأبد.. إلى الأبد”، وربما على قاعدة 99,99 % لو أجريت انتخابات شكلية، أو استفتاءات على هيئة لجان صورية، وأصوات وهمية.
صحيح أن كل ذلك مازال مجرد تهيؤات، لكن الأكيد أن النيل من كيان عريق بهذه السهولة يحتاج من المعاصرين تدقيقًا، وفرزًا، وتمحيصًا، وتحقيقًا، أكثر مما يحتاج لسرديات مطلقة السراج، أو لكلام مرسل لا يقدم أو يؤخر.
ماذا يحدث في غرفة البحرين؟ هذا سؤال قد يحمل من الوجاهة ما يجعلنا بالفعل نسأل: هل غرفة البحرين أصبحت وسيطًا ما بين التجار وأجهزة الدولة بعد أن كانت ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا للقطاع الخاص أمام كائن من كان؟
المؤشرات كافة تؤكد الوساطة، وتلغي التمثيل الوحيد، المؤشرات معظمها تدين مجلس الإدارة الحالي وتصفه بـ “الضعيف”، والمؤشرات خارج دائرة التقييم تشكك في سلامة الدور الذي تلعبه تلك الغرفة لإيجاد حلول ناجعة لمختلف الأنشطة الاقتصادية الخاصة، وعلى اعتبار أن مسؤولية القطاع الخاص لا تقل عن دور الحكومة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
“الغرفة” من خلال بعض رموزها تدافع عن سلبية الحالة الراهنة بسبب وجود مجلس نيابي منتخب يتولى مسؤولية التشريع والرقابة على الأداء الحكومي وإقرار الميزانية العامة للدولة، وهو دور لم يكن مناطًا بغرفة البحرين في أي يوم من الأيام، ذلك أن دورها كان استشاريًا ومواقفها كانت “أخلاقية”، لم تكن في يوم من الأيام تنفيذية، لذلك فإن حجة وجود المجلس النيابي بغرفتيه لا يلغي دور الغرفة الاستشاري المهم على الأقل في القضايا التي تتعلق بالقطاع الخاص.
وحتى لا يكون السرد مخلًّا بالمضامين، أو ضوءًا مسلطًا على غير المعنيين، كان لابد من أن يتحول المرسل من كلام إلى أدلة قطعية الثبوت، مثلًا عندما تعرضت الجامعات الخاصة لمشكلات بالجملة في العام 2014 وما قبله، لم نجد موقفًا يدافع عنها وعن مصالحها من غرفة البحرين بعد أن تم منع الطلبة من الأشقاء الخليجيين للدراسة في جامعاتنا الخاصة، ما أدى إلى إغلاق عدد من الجامعات بل ومرور عدد آخر بأزمات مالية خانقة. في ذلك الوقت، لم تتحرك غرفة البحرين، بل إن الجامعات لم تطلب الاستغاثة، ولم تكن تعلم ربما أن الغرفة يمكنها أن تلعب دورًا “ما” في إيجاد حلول ناجعة لتلك الأزمة.
السياحة وما أدراك ما قطاع السياحة، بالتحديد ما هو تحت الفنادق المصنفة من فئة النجوم الخمس، وما أصابها من غلق نتيجة غياب النظام الدقيق الذي يراقب المخطئين، ويوجه المنحرفين، ويباشر الإشراف المباشر من دون ضجيج، رغم ذلك أغلقت عشرات الفنادق أبوابها، ومُنِيَ أصحابها بخسائر مالية فادحة، و.. أذكر أن “الغرفة” لعبت في ذلك الوقت دور الوسيط، وليس دور الممثل الشرعي والوحيد.
هذان قطاعان واضحان كانا يعانيان، أحدهما هو الجامعات التي خرجت من عنق الزجاجة عن طريق وزير قدير ومجلس تعليم عال منفتح ونشط، وهيئة ضمان جودة تراقب وتحدد المعايير بدقة، أما القطاع الآخر فقد ووري الثرى، وتحولت السياحة في البلاد إلى أنشطة أخرى بعضها يحقق الطموح، والبعض الآخر مازال يحتاج إلى تنشيط حتى يتمكن هذا القطاع الاقتصادي المهم من أن يلعب دورًا مستحقًّا لمملكة البحرين على مستوى المنطقة، ذلك الدور الذي اختطف منها إقليميًّا ولا أحد يدري.. ما العمل؟!
هنا نستطيع أن نتحدث عن دور الغرفة، لماذا لم تتحرك لتدعم، ولماذا لم تقدم الدراسات والاقتراحات والبدائل ومشاريع الإنقاذ؟ هنا يكمن مربط الفرس، وهنا تبقى المشكلة عالقة في ذلك الدور والموقف والتأثير، وليس في طبيعة شخصية الرئيس أو نائبه أو عدد من موظفيه.
*كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية