بدلاً من القيل والقال، وبعيدًا عن التشدق بمن عفى عليهم الزمن، أو هؤلاء الذين أصبحوا أثرًا بعد عين، الله عز وجل مَنَّ علينا بنعمة الذكاء الاصطناعي لكي يعيد إلينا الذين رحلوا لأعماق الأرض، وأولئك الذين اختفوا بعد أن هبطوا من السماء.
الآن.. الآن فقط يمكننا استنساخ جمال عبدالناصر لو لم يصدق البعض مواقفه، أو يدعي عليه بالباطل، والآن.. الآن فقط يمكننا استحضار أم كلثوم بشحمها ولحمها، وأن نجعلها على مسارح العلا وفي مهرجان الرياض الموسمي الدائم، والآن.. الآن فقط يمكننا استرجاع مناقب من أحببناهم ورحلوا عنا في قطاعات المال والأعمال والسياسة والإعلام، ليس من خلال حلو الكلام أو عن طريق البرامج الوثائقية المصورة بصعوبة بالغة، لكن باستخدام تقنية الـ “شات جي بي تي” وغيرها، لكي يعود إلينا الراحل محمد يوسف جلال ليترأس غرفة البحرين من جديد، وعلي بن يوسف فخرو ليعيد إلينا صرامته وصراحته وقبوله التحدي، وقاسم بن أحمد فخرو المتأثر بوالده رحمة الله عليهما، والذي كان ملقبًا بالامبراطور، هو وعلي الوزان ومبارك جاسم كانو وخالد بن محمد كانو، وعلي أحمد العوضي، والشقيقان صادق وتقي البحارنة، والعزيزان علي بن صالح الصالح وعبدالنبي عبدالله الشعلة، والاستثنائي حسن محمد زين العابدين، والمثقف إبراهيم محمد علي زينل، والحكيم الدكتور عصام بن عبدالله فخرو، والهادئ الحصيف عبدالرحمن بن يوسف فخرو، والمشاكس يوسف إبراهيم العوضي، والراحل المتردد على الغرفة والمساهم في أنشطتها جاسم بن محمد مراد الذي ملأ فعالياتها ضجيجًا وحركة وصراحة بلا حدود.
نحمد الله ونشكر فضله على نعمة الذكاء الاصطناعي لكي تأتي إلينا تقنياته بهذه الشخصيات الفارقة في تاريخ غرفة البحرين، واعذروني إن كان قد سقط سهوًا من ذاكرتي عمالقة آخرون أمثال عثمان بن محمد شريف وجواد بن يوسف الحواج، وحسين بن علي يتيم، وفاروق يوسف المؤيد، وخالد بن عبدالرحمن المؤيد، وعادل أحمد آل سفر، وعبدالله بن أحمد ناس، وغيرهم الذين يمكن أن نستذكرهم ونضرب بهم الأمثال، ونعيدهم إلى منصات غرفة البحرين، بدلاً من الهجوم الشرس على مجلس الإدارة الحالي الذي يحاول أن يبقى “إلى الأبد.. إلى الأبد” على مقاعده المريحة في وقت أصبحت غرفة البحرين من أغنى المؤسسات الاقتصادية في البحرين، نظرًا لأن القانون يفرض على كل تاجر تسديد اشتراكات عضوية الغرفة قبل الحصول على السجل التجاري، الأمر الذي طالبت به الشخصيات المذكورة أعلاه مرارًا وتكرارًا، ورغم عدم الاستجابة لمطالبهم إلا أنهم كانوا حريصين على منح “الغرفة” كل وقتهم، وعلى بذل الغالي والنفيس وربما تحمل تكاليف عقد المؤتمرات والندوات “الحقيقية”، وتحت الحقيقية عشرات الخطوط الحمراء التي جذبت للبحرين استثمارات وقطاعات أعمال عالمية، وشخصيات مرموقة ملء السمع والبصر، أذكر فيما بينها مؤتمر الحوار العربي الأوروبي للتحكيم التجاري الدولي الذي تمت دعوة قامات قانونية واقتصادية عالمية لحضوره أمثال العلامة البروفيسور محسن شقيق، ورجل القانون التونسي العالمي الذي كان عضوًا في فريق إعادة ملكية جزر حوار لمملكة البحرين الدكتور فتحي كميشة، إلى جانب رؤساء اتحاد المحامين العرب المتعاقبين وأمنائه العامين، ورؤساء مجلس التحكيم الأوروبي وغيرهم.
كل ذلك تم بجهود رجال الغرفة المخلصين، وكل ذلك تحقق عن طريق أيادٍ بيضاء عشقت الغرفة لأنها تعشق البحرين، ومارست أدوارها الدولية والإقليمية والمحلية بكل نزاهة وتجرد ولا طمع في بدل سفر أو سيارة فارهة أو مردود يُذكر.
هذه القامات الموجود منها على قيد الحياة، وهؤلاء الذين فارقونا إلى جنان الخلد، جميعهم.. جميعهم خدموا الغرفة وحققوا للقطاع التجاري ما لم يحققه مخلوق، حتى أجهزة العلاقات العامة في الغرفة التي وضع حجر الأساس لها السيد عبدالنبي الشعلة، عندما تم انتخابه كأصغر عضو في مجلس الإدارة من خارج ما كان يُطلق عليه آنذاك “البيوتات التجارية العريقة”، ليتم تأسيس لجنة فرعية من لجان الغرفة تحمل اسم لجنة العلاقات العامة والإعلام، والتي كانت تضم ثلاثة صحافيين محترفين محترمين بأقل نفقات وأزهد رواتب ولا حوافز، ولا مكافآت، وهم الصحافي المعروف خليل يوسف رضي، والنائب السابق عبدالهادي مرهون، وسكرتيرة واحدة فقط، بل إنه عندما ثقلت موازين العمل الإعلامي في الغرفة وتوسعت أعمالها وتعددت مشاريعها وكبرت مهماتها، تم تعيين شاب بحريني تحت التمرين إلى أن تَعَلّم المهنة بعد ذلك وأصبح أستاذًا فيها.
كل ذلك إذا كنا لا نستطيع تحقيقه على أرض الواقع لوجود صعوبات لوجستية بالغة الشراسة والمقاومة لإصلاح المعوج، فإننا لابد من الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتذكرنا بما كنا فيه، وما أصبحنا الآن عليه، فالذكرى تنفع المؤمنين.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية