العدد 6006
الثلاثاء 25 مارس 2025
ليلة من السماء
الثلاثاء 25 مارس 2025

 قد يكون ذلك هو المجلس الرمضاني الوحيد الذي قادتني الصدفة وحدها إليه، وقد تكون الشخصيات الاستثنائية التي التقيتها في مجلس النائب الدكتورة مريم الظاعن هي استثنائية بالفعل. سفراء الدول الأهم لدى المملكة وكبار المسؤولين في تلك السفارات، عدد من النواب ورجال الأعمال والشخصيات العامة وأعضاء السلك الدبلوماسي لدى العديد من السفارات، وجميعهم حرصوا على مشاركة النائب الشابة مجلسها الأسبوعي العامر بإذن الله، أما محاسن الصدف فتلك التي قادتني ابنتي نرمين إليها بحكم عملها كمسؤولة إعلامية بالسفارة البريطانية في البحرين، كوني مقاومًا بشدة أن تصطحبني معها إلى مجالس السفراء والنواب وكبار المسؤولين، خصوصًا في شهر الاعتكاف والتوحد مع الذكريات.
عندما التقيت سفراء بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا وعددًا من أعضاء السلك الدبلوماسي في سفارات الولايات المتحدة والصين وبنغلاديش وباكستان وغيرها، وجدت نفسي فجأة أمام الخبر اليقين، أمام كم زاخر من المعلومات والمواقف السياسية المتباينة تجاه قضيتنا المحورية كعرب وهي القضية الفلسطينية، وجدت نفسي أمام رصيد ضخم من “الخبطات” الصحافية التي طالما سعيت إليها، فإذا بها تأتي إلي على طبق من ذهب فاتحة ذراعيها إليّ منادية إياي: “أنا بين يديك، اسأل ما شئت، وستجد ما يسرك”. والشهادة لله، أنني رغم هذا الكم الهائل من الإغراءات، خصوصًا أن مواقف الدول التي التقيت سفراءها في مجلس النائب بها من التناقض والاحتدام مع الموقفين الأميركي والإسرائيلي من قضية غزة تحديدًا.
ما يؤكد أنني لأول مرة ألتقي أصدقاء وليس خصومًا، مع بشر مثلنا، يتحدثون لغات مختلفة صحيح، لكن الصحيح أيضًا أن الإنسانية تجمعنا، والشهر الكريم يضمنا، وسماء البحرين الحبيبة تظللنا.
الصحيح أيضًا أنني قاومت الإغراءات كصحافي متعطش للمواقف والمعلومات، فابتعدت طوعًا لا أمرًا، عن كل ما يمكن أن يفسد هذا التجمع الرمضاني الثري، ذلك التنوع الإنساني الممتع.
وكان لزامًا عليّ أن أختار بين طريقين: إما البحث عن المتاعب وتحويل المجلس المبارك إلى ندوة مفتوحة مع أهم السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي، أو أن أسحب نفسي من وسط هذا الاستقطاب المغري لأختار إنسان هذا العصر، أينما كان وأينما حل.
لقد دارت بيني وبين السفير البريطاني تحديدًا ثم مع السفيرة التركية وقبلها مع السفيرين الفرنسي والإيطالي أحاديث تذكرني بأيامنا الحلوة، بالأوقات التي قضيتها في بلدان هؤلاء السفراء، وكيف أنها كانت الأجمل في حياتي، والأروع في مسيرتي الشبابية.
حرصت أن أرى الغرب والشرق من منظور إنساني، وليس من زاوية مواقع هؤلاء السياسية، حاولت إثبات أن قلب مملكة التعايش والتسامح يتسع للجميع، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن احترام الآخر في الشهر الفضيل واجب علينا.
السفير الفرنسي تحدث معي، عن مسكنه في باريس، ولمحاسن الصدف أن المنطقة التي نشأ فيها وهي “ريبابليك” هي نفسها أول المناطق التي سكنت فيها عند زيارتي الأولى لعاصمة النور، قبل أن تسحبني قدماي إلى أفخم الفنادق بعد ذلك، المريديان، كونكورد لافاييت بالشانزلزييه، وغيرهما من الفنادق الشهيرة مثل “جراند هوتيل” في تولوز، وغيرها الكثير من مختلف أرجاء فرنسا التي أشبعتها “لفاً ودوراناً” ولم أشبع منها حتى اللحظة.
السفير البريطاني أليستر لونج كان حديثه معي من أهم الأحاديث حيث ذهبنا إلى ذكريات الشباب، إلى أول لقاء لي مع شخصيات بريطانية لن أنساها، وإلى أماكن خلابة لم تبعد أبدًا عن خاطري وعن لقاءات صحافية وثقافية مع أعظم الأدباء والبريطانيين عبر التاريخ، بعضهم التقيته عبر كتاب، “برتراندراسل”، الشاعر البريطاني الكبير “تي.إس. إليوت”، المسرحي والفيلسوف برناردشو، وقبلهم تشارلز ديكنز، والعملاق الخالد “شكسبير”.
أما السفير البريطاني فبعد أن تحدث معي عن الحضارة العربية والإسلامية وفي مقدمتها الحضارة المصرية، وجدته نافذًا إلى أعماق ثقافة الفراعنة وإلى الامتداد الطبيعي لها، بل إلى رموز تلك الثقافة الممتدة في ألذ وأحلى الوجبات المصرية مثل “الكشري” وحلوى “أم علي” وغيرهما، كل ذلك وأكثر وجدته يجمعني بالسفير البريطاني الإنسان، وليس بالدبلوماسي المحنك صاحب المواقف المرنة التي أراها قريبة جدًّا مع تصوراتنا حول القضية الفلسطينية. وللأحاديث بقية.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .