العدد 5998
الإثنين 17 مارس 2025
إسرائيل وسوريا الجديدة
الإثنين 17 مارس 2025

 بعد اجتياح عناصر حماس حدود قطاع غزة وقتل ما يزيد على 1200 شخص في إسرائيل صباح يوم السابع من أكتوبر 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح عزمه تغيير وجه الشرق الأوسط بشكل جذري. وفي أعقاب الحرب المدمرة في قطاع غزة، استكملت إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان، موجهة ضربات موجعة لإيران ووكلائها في المنطقة، ما أدى إلى إضعاف ما يُعرف بـ “محور المقاومة” بشكل كبير. لكن سقوط نظام الأسد في سوريا ووصول أحمد الشرع إلى القصر الجمهوري في دمشق، وهو رجل لا تزال خلفيته الجهادية تلاحقه، خلط الأوراق بالنسبة للعدوين اللدودين: “إيران وإسرائيل”.
فإيران خسرت ممرًّا استراتيجيًّا مهمًّا في المنطقة بسقوط حليفها الأسد وفراره إلى موسكو، بينما تعتبر إسرائيل أن وصول جماعة “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة يشكّل “تهديدًا خطيرًا” لها، خصوصًا أنها تنظر إلى حرب غزة على أنها صراع وجودي. ولطالما اعتبرت الدولة العبرية النظام السوري الجديد عدوًا استراتيجيًّا، لكنها تراقب اليوم عن كثب التحولات التي قد تفرزها مرحلة ما بعد الأسد. ومع ذلك، يبدو أن لإسرائيل خطة طموحة قد تمنحها نفوذًا غير مسبوق في جنوب سوريا، مستغلة التغيرات المحلية والإقليمية. فالفرصة الآن سانحة لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، وهي منطقة تتمركز فيها الأقلية الدرزية، ما قد يجعلها حاجزًا أمنيًّا يحمي حدود إسرائيل الشمالية ويعزّز وجودها غير المباشر في الأراضي السورية. 

ولا يمكن لهذا الطموح الإسرائيلي أن يتحقق دون دعم محلي، وهنا يأتي دور الدروز السوريين الذين لطالما كانوا لاعبين رئيسيين في المعادلة الأمنية للمنطقة.
تعيش الطائفة الدرزية في جبل الدروز والسويداء، وهما منطقتان بموقع استراتيجي مهم بالنسبة لإسرائيل التي تحتفظ أصلًا بعلاقات قوية مع دروز الجولان.
وتسعى الدولة العبرية إلى توسيع هذه العلاقات داخل سوريا، من خلال تقديم ضمانات أمنية ودعم اقتصادي مقابل دعمهم إنشاء منطقة منزوعة السلاح تحت الحماية الإسرائيلية غير المباشرة.
مثل هذا السيناريو قد يضع أجزاء كبيرة من جنوب سوريا تحت النفوذ الإسرائيلي، وهو ما سيكون أكبر توسع إقليمي للدولة العبرية في سوريا منذ تأسيسها عام 1948.
والجمعة، عبر العشرات من رجال الدين الدروز السوريين إلى إسرائيل لزيارة قبر النبي شعيب قرب طبريا في الجليل، وهو أقدس موقع ديني للدروز، حيث وصلوا للصلاة تحت حماية عسكرية إسرائيلية في رحلة تاريخية تفتح فصلًا جديدًا في علاقة إسرائيل بدروز سوريا.
وكانت إسرائيل قد هددت بالتدخل عسكريًا في سوريا إذا تعرضت الأقلية الدرزية، التي تمثل 3 بالمئة من سكان سوريا، لأي تهديد من قبل النظام الجديد.
وفي الوقت ذاته، أكد الجيش الإسرائيلي أنه سيبقى إلى أجل غير مسمى في المنطقة العازلة وجبل الشيخ الاستراتيجي، وهو أعلى قمة في سوريا تطل مباشرة على الحدود الإسرائيلية.
في الواقع، إن إنشاء منطقة نفوذ في جنوب سوريا يحقق لإسرائيل أهدافًا تتجاوز الأمن إلى السياسة والاستراتيجية الإقليمية، وإذا نجحت في خطتها لتشكيل واقع جديد في سوريا، فقد تعيد رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة، ما قد يفتح الباب لمرحلة جديدة من التنافس الإقليمي، حيث لن تبقى سوريا مجرد ساحة صراع بين القوى التقليدية، بل ستصبح إسرائيل لاعبًا مؤثرًا في مستقبلها أيضًا.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .