عندما قال فرعون كلمة الكفر هذه لقومه وطغى وتجبّر، كان قد عجل من نهايته، فكان جزاؤه أن يُخلد في النار ليكون عِبرة لكل نفس تغتر بما حباها الله من جاه، ونفوذ، وسُلطة، وقوة مادية كانت أو جسمية، فاستخدمها في الشر، وسخرها في إذلال البشر، وسلب حقوقهم، وإهانتهم، وظُلمهم، وتجريدهم من قيمتهم وعزتهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين.
فرعون لم يمت، هو حي بيننا، ويمكن أن تراه عندما تلتفت يمينًا أو شمالًا، قد يكون في منزلك كهيئة أب أو زوج أو أخ لا يتوانى عن ضرب أو دحس كرامة امرأة ضعيفة أو فتاة لا حول لها ولا قوة، وإن كانت أمه التي حملته تسعًا فتمثل لها ابنًا عاقًّا لا خير فيه، أو في هيئة مسؤول في العمل، لا يخاف يومًا سيكون عليه عسيرًا، عندما يأتي إليه موظفوه زرافًا يوم القيامة ليقتصوا من ظلمه، وأشدها عليه إن كانت في قطع أرزاقهم وتعطيل مصالحهم، وقد يتمثل لك فرعون في هيئة امرأة لم تخف الله في خادمتها، فتُدخل الرعب في قلبها كل حين، بتسفيرها لبلدها إن لم تخضع لها إخضاع الذليل! وأمثلة فرعون الجبروت هذه تطول قائمتها، وتتعدّد صورها. ما من قوي إلا وضعف، والحال لا يبقى كما هو، خصوصًا إن ما كانت دعائم فرعون المتغطرس هذا ظلم العباد، ونكران قوة الله عليه وقدرته على الاقتصاص والانتقام منه، متناسيًا أن ما من قوي إلا وهناك من هو أقوى منه، وأن الله يُسلّط الظالم على الظالم فيقتص لذاك الضعيف من حيث لا يحتسب.
فرعون هذا لن يُحاسب وحده، سيُحاسب معه كل من كان له عونًا وظهيرًا، وكل من رأى الظلم وسكت عنه، وكل من كان قلبه مأثومًا فكتم شهادة، وكل من كان يصفق لفرعون ويشجعه على ظلمه وهو يرى قلوبًا منكسرة، وأرزاقًا متعثرة، وأنفسًا ذلت بعد أن كانت عزيزة. إن كان لك وجه من فرعون، فتذكر قدرة الله عليك لتنال عفوه قبل فوات الأوان.
ياسمينة: احذروا أكف الضعيف المظلوم إذا ارتفعت.
كاتبة بحرينية