العدد 5939
الجمعة 17 يناير 2025
اليوم الأخير واليوم التالي
الجمعة 17 يناير 2025

كأنها القيامة، يوم أخير ويوم تالٍ، ذلك الذي أصبح يحكم الهدنة في غزة، مؤقتة كانت أم دائمة، إفراج عن رهائن أم عن مساجين، هي لوغاريتمات اليوم الأخير، ذلك الذي يتم من خلاله ترميم الجثث، وتعبيد الطرق المؤدية إلى السماء، وترتيق الأثواب التي احترقت أثناء غارات العدو الذي لا يرحم.

اليوم الأخير هو الذي نعيشه منذ أن هدد ترامب بأنه سيحول المنطقة إلى جحيم، فتحولت كاليفورنيا وفلوريدا إلى جحيم. ترامب الذي لم يبق على تنصيبه سوى أيام معدودات، يعد فلا يتخلى عن الوعد، ويشي فلا يتنصل من وشايته، ويصرح فلا ينفي تصريحاته. قالها للجميع: “لا تتوقفوا عن المفاوضات”، وبدا وكأنه الرئيس الفعلي قبل التنصيب، وهو يقود تصريحات وزير خارجية الرئيس الأميركي الحالي بايدن، صديق الإسرائيليين بلينكن الضعيف، وهو يحفز إسرائيل على وقف النار في غزة، والانسحاب الطوعي من جنوب لبنان ومن مختلف أرجاء سوريا. هو بالتالي ما يشجع الإسرائيليين على مد يد العون للأيادي التي قطعوها، وإعادة الحياة لشعب مازال تحت أنقاض غزة.

اليوم الأخير هو ما نعيشه اليوم، بالتحديد منذ أسبوع مضى، أما اليوم التالي فهو ما يتم التفاوض بشأنه الآن، بين الدوحة والقاهرة، هو ما يتجلى من اقتراحات حول إخراج حماس من المنظومة الإدارية لغزة، وأيضًا السلطة الفلسطينية، فإسرائيل لا تعترف بها كقيادة متفق عليها منذ أوسلو في الضفة الغربية.

وذلك بعد أن أصبحت القدس كاملة تحت الإدارة الإسرائيلية المحتلة، وبعد أن تم اقتلاع أنيابها منذ التقسيم المستحيل بين إدارة غزة وإدارة الضفة، بل وبعد أن أصبحت حماس تحت الأرض الجهنمية للقطاع الضائع، ومنذ اغتيال حكامها الأشداء من فوق فوهة مدافعهم، أو من تحت أنفاقهم، أو حتى من بين “البين بين” من مختلف مناطق وأقاليم غزة الشهيدة.

اليوم التالي هو الذي نتحدث فيه عن قوات دولية، عن انسحاب منقطع من ممر فيلادلفيا المرتبط بمصر عبر “كامب ديفيد”، وعن انسحاب إسرائيلي متدرج خلال 48 يومًا، والله أعلم.
كل ذلك أصبح رهنًا بـ “اليوم التالي”، ولكن من دون رئيس أو مسؤول يمكن التحدث معه، ومن دون إدارة حقيقية يمكنها البت ولو بالكلام عما يقال وعما يثار عن إعادة الإعمار.

اليوم الأخير على وشك الانتهاء، وترامب على وشك اعتلاء سدة البيت الأبيض، لكن مازلنا في الأمتار الأخيرة من الساعات الأخيرة لفرصة ترامب الجهنمية، ومازال ترامب المشغول حتى النخاع بكاليفورنيا وضواحيها وفلوريدا وأحلام بنيها، والدول التي يطالب بضمها للولايات المتحدة ككندا وبنما وجرينلاند الدنماركية وما يحكى عنها وما يثار من شعبها، وذلك المتملق لغرائب الإنسانية، والأرض ومن فيها.
كل ذلك يبحث عن يوم تالٍ، فلا يعثر إلا على أطلال شعب، وبقايا وطن، وفضلة إنسان كان يومًا يعيش هنا.

*كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .