مناقشات “طويلة عريضة” في كواليس الحياة الآيديولوجية اليومية، جميعها تدور حول فكرة الدولة ومفهوم الوطن، أسوة بما يُشاع بعد أن وضعت جماعة “الجولاني” يدها على سوريا. فكرة الدولة ومفهوم الوطن، وحكاية الأمة، معضلة عويصة تتناحر أطرافها، وتتناقض مآربها، وتتفاعل أحداثها، عود ثقاب يشعل ما تحته من جمر تحت الطلب، ومن دخان فوق الرماد، هو في حد ذاته ذلك الغزو الجيوديكتاتوري اللعين الذي جاء بوجه قديس، ونوايا مفتونة بتجربة سوء الجوار العربي، هو المد والجزر الذي أدخل الأمة في قلب الوطن، وأشرك الدولة في ارتكاب جريمة القبول بالأمر الواقع.
حكومة إنقاذ تخرج من تحت آباط مفهوم الأمة، لتدخل في قلب القلب من مشروع الدولة، أو الإحساس العميق بالوطن، يحدث في سوريا ولم يحدث دونها من سيناريوهات لا يصدقها عقل، من دراما أكثر حنكة من “باب الحارة”، أو “نهاية رجل شجاع”. هكذا هي الأيام، دول أم أوطان أم أمم، يقولون وفي أيديهم مصاحفهم مرفوعة: إن الأمة تعني أن تركيا من حقها أن تدرب جماعة “الجولاني”، ومن صميم تخصصها أن ترسله بأسلحتها وعتادها، و “تكنولوجيتها” المجربة إلى بلاد الشام، فهو يحمل لواء “تحريرها”، وينتحل اسم مرتفعاتها المحتلة إسرائيليا إلى الأبد. ما إن تمر ساعات على إعلان حكومة إنقاذ ائتلافية مع حكومة أخرى غير مأسوف عليها، حتى اشتعلت مطارات سوريا، ليلة واحدة تكفي لتدمير الأسطول الجوي السوري و2700 دبابة والقوات البحرية والمواقع الاستراتيجية.
ليلة واحدة كانت كفيلة بأن يسقط النظام البديل في أول امتحان أمام إسرائيل، وليلة واحدة كانت كفيلة بأن يتحول الشعار الفضفاض إلى كابوس، واللافتة التركيب إلى أضغاث أحلام، والوعد الحق إلى جرائم يُعاقب عليها القانون.
ليلة واحدة اقتربت بالجيش الإسرائيلي إلى ريف دمشق، وكأن الجماعة القادمة من “أستانا” لا ترى، لا تسمع، لا تتكلم، شأنها في ذلك شأن الأمة التي غضت الطرف، وشأن الدولة التي سقطت في غفلة عين وانتباهتها، كأننا نعود إلى العام الذي سقطت فيه بغداد، فلا علوج ولا فلول، ولا “أمجاد يا عرب أمجاد”.
ليلة واحدة تكفي لغزو عاصمة الأمويين، وقلب العروبة النابض، وأحفاد الفينيقيين وأسود العروبة الأشاوس.
أين أنت يا أدونيس من أغاني مهيار الدمشقي، وأين صلاح الدين من “طبيبه الدمشقي” الذي أنقذ حياة ريتشارد قلب الأسد إثر إصابته بسهم عربي مدسوس خلال أهم هدنة في التاريخ، وأين أنتِ يا بنت واصف، ويا أيمن زيدان، ويا جمال سليمان، هل مازلت أيها الأخير تطمح إلى حكم سوريا، هل صدقت الوعد بانتخابات ديمقراطية بعد أن أرخت العتمة الأبدية سدولها على الكيان السوري، وكأن إقامة الصلاة طقس، وإيتاء الزكاة كرم حاتمي، هل صدقت يا سليمان خاتم نبينا الذي يحمل الاسم ذاته والفعل ذاته عندما يفركه فتأتي إليه الملائكة حاملة كنوز الأرض وما عليها؟
ليلة واحدة تكفي يا أبناء عروبتنا حتى نفيق من كبوتنا، أم أنها كفيلة بأن تريحنا إلى الأبد في “كهفنا الأهلي” مع كلابنا الضالة، ومع شياطيننا “الأوباش”؟
ربما ليلة القبض على صدام حسين مازالت تتكرر، تماما مثلما هي صبيحة هروب الأسد من عرينه، ودخول الأمة إلى عقر دار الوطن، ربما يجوز كل شيء في زمن العجائب، وعالم الغرائب، فالشام يتوه، والكنانة تغيب، والعروبة تترجل، و.. حسبنا الله ونعم الوكيل.
*كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية