بعيدًا عن السياسة كانت القمة الخامسة والأربعون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في دولة الكويت الشقيقة مؤخرًا بمثابة التحول الإقليمي الكبير من أجل قيادة اقتصاد رقمي يستطيع ترجمة إنجازات التكامل والتحول التاريخي في إعادة بناء التصورات الإقليمية على أسس من التقنية الحديثة، والوعي بأهمية حماية أمن المعلومات، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمارات في مجالات تقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني، بالإضافة إلى تطوير تقنيات وتطبيقات مبتكرة في مجالات الطاقة المتجددة والتنوع الاقتصادي والتجارة الإلكترونية.
وأهم ما يلفت الانتباه في هذه القمة أنها وقفت على أهم تحدٍ يواجه الدول ذات الاقتصادات الناشئة وتلك التي تتطلع إلى تحديث البنية الأساسية لقواعد النمو والنماء المستدام، تمامًا مثلما كانت على المحك تلك الترجمة الحيوية لمختلف اعتبارات التعاون لدول الخليج العربية الست من أجل تكوين اقتصاد متقدم وقادر على التعامل مع ثورة المعلوماتية الدولية، وهجمة التكنولوجيا الحيوية، ومضاعفة الجهود الرامية إلى إنشاء مركز عالمي للاقتصاد الرقمي، بحيث يكون هذا المركز زاخرًا بالكفاءات والكوادر البشرية القديرة إلى جانب تسويق المهارات المرتبطة بهذه الصناعة الرقمية الجديدة. قمة الكويت لم تقترب من الماضي، وكأنه شيء لم يكن، فلا حديث عن السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي الخليجي وهو ما يفرض تصورات سليمة عن أهمية التكامل الاقتصادي بشكله التقليدي وتحويل مجرى الطموح من مجرد اقتصاديات تقليدية تسعى إلى التعاون والتنسيق، إلى اقتصاديات رقمية تواجه التحدي التكنولوجي بقوة دفع جماعية.
بدلًا من التحرك القطري الذي قد تصعب معه حرية الحركة وسط عالم مكتظ بخوارزميات التطوير وإحداثيات التعامل مع هذا التطور بقدرة فائقة على البقاء، بل وبخاصية مشتركة أكثر منعة وتفوقًا عند مواجهة التحديات.
لقد وقفت قمة الكويت مع المحور الاقتصادي، ومن عتبة التوازن المالي أو التنسيق القائم على أبجديات أو بديهيات التكامل، بقدر ما كانت القمة حريصة كل الحرص على تطوير الاقتصاديات الراهنة، وإكسابها الأدوات والآليات المتوافقة مع تكنولوجيا العصر ورقمنة معطياته، هنا يأتي مربط الفرس، وهنا يصبح التحدي القادم سحابيًّا أكثر منه ممددًا على الأرض، رأسيًّا أكثر من كونه أفقيًّا يعتمد على الحجم ولا يقوم على النمو النوعي أو الكيفي.
قمة الكويت أنجزت وأوضحت مواقف إقليم من أهم الأقاليم في المنطقة، ليس تجاه قضايانا المصيرية في غزة ولبنان والضفة الغربية وسوريا فحسب، إنما أيضًا في كيفية بناء مجتمعات متقدمة تستطيع مواجهة الأزمات وتديرها بعقلية رقمية جديدة وليست من خلال بديهيات أو تصورات سرعان ما تتبخر أو يدركها النسيان.