يبدو أنه آن الأوان لكي نستعين بالكلمة المأثورة للصحافي الكبير محمد حسنين هيكل الذي كتب في نكسة يونيو 1967 سلسلة مقالات لصحيفة الأهرام المصرية تحت عنوان “اللاسلم واللاحرب”، وهو ما تشهده حاليًّا جبهة “الشام إسرائيل”، جبهة سوريا – لبنان – غزة – إسرائيل. يقولون: هدأت الأمور على الجبهة اللبنانية إلا من بعض الخروقات والخروقات المضادة، ويقولون: إن الاتفاق بالأحرف الأولى تم إعداده لإنهاء الحرب في غزة وتبادل الأسرى، ويقولون: إن جبهة حلب ودعوة “الانكشاريين” والعصابات المسلحة لأداء مهمة إشعال ما تبقى من حرائق على الجبهة السورية، هو الذي بدأت إرهاصاته في التعاطي مع سلام وشيك على بقية أرض الشام العتيق.
اللاسلم واللاحرب، حالة مرهونة بتلكؤ إسرائيلي، وعدوان حسب الظروف، ووضع دولي مترد، وأوراق اعتماد كل كائن من كان يسعى لتقديمها إلى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب قبل أن يتسلم مهمات الحكم في العشرين من شهر يناير القادم. حتى الجماعات الإسلامية، والفصائل المتنوعة، والدول التي على المحك، لم تتردد أن تأخذ موعدًا رسميًّا للالتقاء بترامب خشية أن يسبقهم أي عدو، أو أي متسابق على المتبقي من أذن للرئيس الأميركي بعد محاولة اغتياله وهو في قلب القلب من حملته الانتخابية الميمونة.
لا سلم ولا حرب بدأت في إزكاء نيرانها تلك الجبهة التي قادتها النصرة في حلب، ومعها قوات تحت الطلب بذريعة حزب العمال الكردستاني وشماعة “النصرة” النيل من النظام وزعزعة استقراره بأي ثمن، وموقف الروس وإيران وما بينهما لم يعد مفهومًا حتى الآن، أهي مسافة حركة مطلوبة بين كل الفصائل التي كان يناهز عددها 550 فصيلًا في السابق هي التي تشعل النيران في حلب، أم أن قوى جديدة على الأرض بدأت تخوض في وادي الفرات من أجل السيطرة على أي جزء من الأراضي الخصبة، خصوصًا تلك التي تعاملت السلطة السورية الراهنة معها بإهمال ولم تعرها أي انتباه وتركتها معوزة لكل من يقدم لها العون؟
لا أحد يدري لماذا، وكيف، وإلى أين تمت إعادة فتح جبهة حلب، وربما اللاذقية، من قبل ومن بعد، ولا أحد يمكنه التكهن بأن حرب الشام العظيم يمكن أن تمتد إلى كل القادمين من الأردن والعراق، أو إلى كل الذاهبين للأردن والعراق، وربما إلى لبنان، أم أن جبهة حلب ليست أول الغيث ولا يحزنون، وأنها مجرد بالون اختبار لما يتم طبخه في البيت الأبيض قبل تنصيب ترامب.
المطبخ الأميركي يفكّر بعمق في “اليوم التالي” بغزة بعد إرجاء حل الدولتين، والعرب يحاولون التمسك بحل الدولتين، أنصارهم حتى لم يتحدثوا عن التحالف الذي يحمل الاسم ذاته، ولا حتى عن أبعاد الدولتين بما تشمله من قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. جبهة حلب خلطت الأوراق، ولكن ما يحدث داخل البيت الأبيض أصبح محيرًا، فهي الحركة الأخيرة قبل الرحيل لبايدن، وربما يكون التفاهم الآن وثيقًا مع ترامب بعد أن أصبح رئيسًا لكل الأميركيين مثلما يقول، وبعد أن اعترف بايدن بنتائج الانتخابات معلنًا أنه سيكون أول الداعمين لترامب، وأهم المراقبين لاحتفالات ومراسم وبروتوكولات تنصيب ترامب في حفل منقطع النظير بالعشرين من يناير القادم.
لا سلم أو لا حرب، حالة قد تكون متكررة على جبهة الشام – إسرائيل مثلما كانت في أيامنا الخوالي على جبهة إسرائيل – مصر، وبالعكس، لكن ماذا نقول “حالة” اليوم لا تتشابه مع حالة الأمس، إلا في الاسم، وحالة الشام إسرائيل أصبحت متعددة المحاور، متناثرة الجبهات، والله وحده الموفق والمستعان.
*كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية