بالصدق وحده يصدقني الناس، أم بالكذب الأبيض لا يصدقونني؟ سؤال أثاره مسرح الجامعة الأهلية، وإجابة أكثر من صريحة قدمها المخرج البحريني الكبير بسام الذوادي، فاجأ الحضور بقوله لا تصدقوا فنانًا، فإنه يهيم في عالم الخيال لا على أرض الواقع، كل ما يقدمه من صنع اللامعقول، ونحن نعيش المعقول بعينه.
رغم المفاجأة ورغم المعاناة التي يتكبدها بسام من أجل أن يدافع عن وجهة نظره، إلا أن القاعدة الذهبية في عالم الفن والإثارة تعتمد على الصدق الشديد مع النفس، أن يصدق الفنان نفسه وهو يتقمص دورا.. أي دور، عندئذ سيصدقه الناس، وعندئذ سيصبح فنانًا مؤثرًا، ومؤديًا عبقريًا، وعندئذ يتحدث البعض حول المحور الثالث المُختلَف عليه في ذلك المنتدى الذي تم من خلاله تدشين جائزة جائزة المواهب الإعلامية، وهي جائزة تم إيقاد شعلتها من حرم الجامعة الأهلية، وهي حالة تريد “الأهلية” إحالتها للتعاطي بين الناس، ليصبح الفن للمجتمع وليس الفن للفن. وبالفعل وفي فسحة من التفكير العميق، ومناسبة لم تخطئ أهدافها ولم تضل غايتها المنشودة، تم إطلاق الجائزة تمامًا مثلما تم الترويج لها من خلال بسام الذوادي، وفنانة “البيت العود” ماجدة سلطان، والمسرحي والمخرج الشاب الموهوب عبدالله الدرزي.
أخيرًا نجحنا في إرضاء جميع الأذواق، رغم أن إرضاء كل الناس غاية لا تُدرَك، والوصول إلى جميع الأهداف قد يصبح من سابع المستحيلات، ومن آخر المُمْكِنات، فلا هدف من دون عقبات، ولا غاية لا تبررها وسيلة، هكذا يقول الفيلسوف الإيطالي نيكولو ميكافيلي، رغم ذلك أصبح الفن عصيبًا في زمن إعلام المنصات، وفي ألفية المُمْكِنات المستحيلات، نعم.. إنه الصدق الشديد الذي يقود إلى الكذب الأشد، والكذب الأشد الذي يقود إلى الصدق حيث لا مفر من التصادم بين كل الأطراف.
حتى تظهر الحقيقة وكأنها مشهد بانورامي بديع، كل فنان يقول فيه الصدق، وكل متلق يأخذه على جميع الاحتمالات، صدق أم كذب لا يهم، المهم أن يكون التقمص صادقًا، والتشبث وثيقًا، والإصرار على الفن هو مربط الفرس.
فعالية “الأهلية” انتهت، وذهب كل فنان إلى حال سبيله، ولم يذهب ما أثاره الحضور من أسئلة أدراج الرياح، فمازلنا نفكر ونفكر، ومازال ضحايا الأطروحات الناضجة يعانون من صعوبة التلقي للنصوص السينمائية المُختلَف عليها، ومازال الصدق أو الكذب الذي يتشبث به بسام الذوادي كاميرا ثلاثية الأبعاد، أحدها يمثل الـ “أنا” المفرطة، والثاني يدل على الآخر المُختلِف، والأخير على المجموع أينما كان وأينما حل.