ليست شماتة والعياذ بالله، لا في محور الممانعة، فهم منا ولنا، ولا في قوافل المقاطعة، فنحن جميعًا مقاطعون، لكنها خيبة الأمل في الفشل عندما نقاوم، وفي ضياع الأمل حين يلوح أمامنا من بعيد، في عدم التحلي بالعِلم، وعدم الإيمان بالعقل، في الانصياع خلف الشعارات الجوفاء، وعدم التحلي بالصبر على المكاره حتى تنضج المعارف وتنجلي الظلمات. للمرة المليون بعد المليون نأكل “الطُعم” حتى آخره، وللمرة المليون بعد المليون نثبت أننا مجرد لافتة على جدار، وعنوان عريض يُحمل على ذراعي بالونة اختبار جاهزة للانفجار، للمرة المليون بعد المليون لا نتعلم من أخطائنا، ونعلق كل شماعاتنا على أخطاء بشرية “غير مقصودة”، على خيانة من دخيل، أو تسلل من عميل، على جواسيس وشركات “امبريالية” عظمى، ومؤسسات تتربص بمقدراتنا.
لم نتحدث ولو لمرة واحدة عن تقدم عدونا العلمي، عملاً بالقاعدة القديمة “اعرف عدوك”، لا تترك له فرصة لكي يتفوق عليك في العلوم والفنون والآداب، لا تدعه يخترق صفوفك بالعِلم وحده، ويبيع عليك التكنولوجيا الفاسدة، وليست فقط الأسلحة الفاسدة، اهتموا بالتعليم والتعلم، لا تغلقوا المدارس ولا المعاهد ولا مؤسسات التدريب، ولا مراكز البحث العلمي، اهتموا بالتعرف على صحيح دينكم، لا بالخزعبلات والإسرائيليات التي داهمته، وها نحن اليوم نهتم بـ “صلاح التيجاني” أكثر من اهتمامنا بما حدث لـ “بيجر” حزب الله في لبنان، ولا بأجهزة المناداة التي استبدلها الحزب عوضًا عن “الموبايل فون” لمضاعفة تأمين القادة، فمات منهم أكثر من عشرين في ضربة واحدة. لا تشتروا مزيدًا من الأسلحة، لكن أعِدوا مزيدًا من العلماء، لا تنفقوا على زراعة الألغام، لكن أنفقوا على زراعة الأرز والحبوب والمحاصيل التي تحقق لكم السيطرة على أسواق السلع الاستراتيجية في العالم، لا تصرفوا فلسًا واحدًا على كل ما هو مُصنّع وكل ما هو مستورد وتنسوا البحث العلمي ومراكزه ومؤسساته ورجاله الواعدين.
إسرائيل انتصرت علينا وستظل منتصرة لأنها اعتمدت العِلم وحده، في حربها الطويلة ضدنا لم ترفع شعارًا على سُدة مظاهرة عشوائية، ولم تصفق لمسؤول أو شبه زعيم أو قائد مسيرة وهو لا يستحق، كل المظاهرات التي اجتاحت إسرائيل لم تكن لتبجيل نتنياهو لأنه انتصر علينا في غزة أو الجنوب اللبناني، أو لأنه فشل في إعادة الرهائن كل الرهائن، والذي أقسم أنهم سوف يعودون، لكن لأن سياساته رغم انتصاراته لا تعجبهم، ولأن نظافة اليد أصبحت محل شك وسيادة القانون صارت على المحك.
هكذا هو عدونا، وهؤلاء هم شعبه “المختار”، وها نحن أمة لا تتقن فن الحوار، ولا تسمع إلا لنفسها، ولا تتابع ما يفعله الآخرون من أجل النهوض بالعقل الجمعي والوعي الأممي للأوطان، فقط اكتفينا بالتهكم على شهدائنا في الفضائيات وخصصنا البرامج المتلفزة وتلك المدعومة بالكتائب الإلكترونية للنيل من المقاومين الأشاوس، وتشويه حركة التاريخ.
الفشل في معركة أو في عملية أو في تجربة معملية، لا يعني خسارة أمة لنفسها، من يحاول أو يروج لفكرة أننا “أمة ضحكت من جهلها الأمم” عليه أن يتذكر حرب أكتوبر 73 وكيف أن الجامعيين المصريين الجدد استوعبوا الأسلحة التي تستخدم بكفاءة علمية نادرة وليس بقوة الدفع الجسمانية الباهرة، ولابد أن نتذكر محاسننا هذه الأيام ونحن نخسر معارك باسم التراجع العلمي، وليس تحت شعار نقص الوفاء أو انعدام الرجولة، أو غياب النخوة عند المواجهة.
علينا أن نؤمن بمقدراتنا وقدراتنا بأننا أمة بالعِلم وحده ذهبنا بعقيدتنا ونشرناها حتى أوروبا غربًا والصين شرقًا، وعلينا ألا ننسى أن أكتوبر 1973 لم يمض عليه سوى 51 عامًا فقط لا غير وليس حينًا من الدهر العظيم، “عفارم” يا رجالنا، لكن بالعِلم وحده.. ليس إلا.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية