العدد 5820
الجمعة 20 سبتمبر 2024
banner
وقت مستقطع بين هاريس وترامب
الجمعة 20 سبتمبر 2024

 

قد يكون الوقت المستقطع الذي استراح فيه ترامب وهاريس في مناظرتهما الوحيدة قبل أيام أهم ألف مرة من ساعتي النزال في حلبة أراها متكافئة رغم الاستطلاعات التي وضعت السيدة في المقدمة والسيد لاهثا خلفها، وقت مستقطع مدته ربع ساعة، ربما بين ساعتين قال فيها الناس كل شيء عن المناظرة التاريخية ولم يقل فيها المتصارعون أي شيء، هو الوقت الأهم في نظري، الاستراحة التي يراجع فيها المرشح للبيت الأبيض حساباته مع أنصاره قبل فوات الأوان، وتطير الطيور الشريرة بأرزاقها، وقت مستقطع استمع فيه ترامب لنصائح مريديه، واستمعت فيه هاريس لمطالب شعبها، ربع ساعة فقط كانت كفيلة بقلب الطاولة على المنتصر ليهزم بلمس الأكتاف، وتحويل المهزوم إلى مناصر بقدرة قادر، كامالا لم يهدأ لها بال وهي تعاند بشراسة وتواجه بإصرار، وتلوح بعينيها وجبهتها وثيابها التقليدية جدا لتجمع ما لم يستطع ترامب جمعه من تعاطف، وما لم ينجح فيه نصير الأغنياء من تأثير على الفقراء والنساء والمهاجرين الغرباء. هاريس نجحت في جمع المشاعر الطيبة والنوايا الحسنة والقلوب الرحيمة، فأباحت الإجهاض حفاظا على صحة المرأة وانتصرت لها احتراما لكينونتها في الوجود، وتحفظت على الرجل الوحش في حقيبة مكياجها الخفيف حتى انتهاء المناظرة بسلام. ترامب كان مشروعه الخارجي واضح المعالم، إنهاء الصراعات والحروب بمقابل، وقف حرب أوكرانيا لاتصال هاتفي مع صديقه بوتين، إنهاء حرب غزة باستبدال الرهائن مع الفلسطينيين المحبوسين، ومع نطرائهم الذين ماتوا من الطرفين، الناتو يجب عليه أن يدفع إذا كانت أقطاره ترغب في الاستعانة بالوحش الأميركي للدفاع عنها، وقف إرسال الجنود الأميركيين لأفغانستان حتى لا يموت المزيد منهم في حرب لا ناقة للأميركان فيها ولا جمل، رفض تأمين أوباما الصحي واستبداله بآخر "فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها".
وضع خطة عاجلة للنهوض بالاقتصاد بتحقيق معدل نمو سنوي نسبته 2 % مع ضبط أسعار النفط وكبح التضخم وإبعاد الوطن عما أسماه حربا عالمية ثالثة لو فازت هاريس.
وقت مستقطع قال فيه كل طرف كل شيء لأنصاره رغم أنهم أعلنوه خلال ساعتي المناظرة بكل دقة وصوت واضح وامتعاض منقطع النظير. إما نحن، أو وجهة نظرنا كعرب في المناظرة، فلم تخرج أبدا عن سياق الاصطفاف السياسي والعقائدي المعروف، فسطاط مع الممانعة المنحازين تاريخيا للديمقراطيين، وفريق مع النظام الرسمي العربي الذي يرى أن التعامل مع الجمهوريين أكثر مردودا لأمتهم، أما نحن شعب الله غير المختار، الناس الذين لا يربطهم بالسياسة رابط للجأش، ولا ضابط للنفس، ولا يخشون في الحق لومة لائم، فهم محتارون بين امرأة قد تحقق لهم ما لم يحققه الرجال طوال العصر الديمقراطي الأميركي الطويل، وفريق آخر معجب بطول لسان ترامب، وهجومه المتواصل على المرأة، وانحيازه المفروض لبني جلدته وأصل لونه، وبين أولئك وهؤلاء، المعذبين في الأرض، والناجين من النار، يصطف التاريخ ليعلن عن نفسه مجددا، هذا نحبه وذاك نريده، فلا هذا سيأتي الينا بالمن والسلوى، ولا ذاك سيجلب لنا الخير من حيث لا نحتسب، فوجها العملة جزء من عملة واحدة، ولا يحك جلدك مثل ظفرك ولا يجب أن ننتظر كائنا من كان لكي يقول لنا: إن أهل مكة أدرى بشعابها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية