العدد 5813
الجمعة 13 سبتمبر 2024
banner
عالم ما بعد الإنسان!
الجمعة 13 سبتمبر 2024

سؤال يطرحه بعض المفكرين على استحياء، ماذا بعد الإنسان؟ ويجيبون دون خجل: هو كل شيء من صنع الإنسان، هو من غزل يديه، وزراعة كفيه، وعبقرية علمائه، بعد الإنسان ليس بإنسان. هكذا يُلمح القانون الغربي الجديد، والشرائع الأرضية الأوروبية بعد أن تأكد لهذه الحضارة أنها غاربة لا محال، وأن القائمين عليها بدأوا في حفلات الوداع ما قبل الأخيرة، وأنهم من دون سُرادقات للعزاء، أو مواكب لحقن الدماء، في التلويح بالإنسان الآلي.. بالروبوت. المفكر الكبير البروفيسور نبيل عبدالفتاح يُخرج من بين أوراقه المكدسة في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بصحيفة الأهرام المصرية ما كان محبوسًا داخل الصناديق المغلقة، ليصبح مجلجلاً على صفحات المواقع الإلكترونية، والصحف الورقية، ووسائل التواصل الاجتماعي، تحدث في إحدى نظرياته عن النُظم القانونية بالغرب، عن التشريعات الإنسانية، وعن اللوائح التي تنظم العلاقات بين الناس.

تحدث باستفاضة عن السلطات التشريعية الأورو-أميركية، وعن الصراعات السياسية حول المصاح الاقتصادية ومناطق النفوذ وتوازنات القوة في الواقع الاجتماعي. و.. تحدث عن التاريخ المركب وآثاره على النُظم القانونية الحديثة، وعلى العلاقة بين الدين والقانون، ثم ارتقى بالحديث أكثر فأكثر ساحبًا السجادة من تحت أقدام الملوحين بأزمة الهوية المتعلقة داخل المنطوق الأممي للأجيال الجديدة، خصوصا هؤلاء المنتمين لأصول عربية وإسلامية. تحدث عن ثمانية محاور فجرتها مشكلات الهجرة إلى أوروبا، وحالة الاندماج “اللاوطني” لأسباب دينية وطائفية، ثم ذهب إلى مرحلة ما بعد الإنسان، وما بعد مغامراته التكنولوجية وغزواته الافتراضية، وصراعاته الثقافية، وها نحن الآن أمام قوى خفية، ليست علوية أو سفلية، لكنها من صنع الإنسان، ماديته الجدلية، نظامه الرأسمالي المعقد، نظرياته وآيديولوجياته المركبة، جميعها يا سيدي المفكر تدور فعلاً في نطاق قانون غربي صارم يفرض سطوته على غيبيات الأمم المهاجرة، وعلى ممارسات وإشكاليات الأزياء الوافدة، مرحلة ما بعد الإنسان، وقواه العقلية المعطلة، والتاريخية المحذوفة، والبقائية الزائلة، تم تصريفها في مجار ضحلة.

لتفيض بما كان متوقعًا منها قبل عصر البطالة، وبعد ظهور المجد الحديدي الجديد، روبوتات تحرس المصالح الحكومية، ومثلها تجري العمليات الجراحية، ونظيرتها تكشف المصابين بالأوبئة، ظل يفقد ظله ويظل في عهدة التاريخ المأزوم، من يكتبه يا ترى في عالم ما بعد الإنسان، هل يصنعه ذكاء اصطناعي، أو إنسان آلي، أو رفيق طريق من النوع الأفاتاري الرقيق؟ السؤال قائم على قاعدة الزي الرسمي لبديهيات الأشياء، والهوس التكنولوجي المحمل بفيروسات هاربة من معامل تجارب ضد الإنسانية، مرحلة ما بعد الإنسان، تركتها يا صديقي خاوية الملامح، صادقة المحيا، ومتخطية للخطوط الحمراء، شجاعتك يا دكتور نبيل سوف تودي بنا إلى براحة التفكير العميق فيما نحن فيه وما كنا عليه، حذرتنا من دون أن تعلق الجرس في رقبة القط، ربما لأنه لا يوجد قط ولا يوجد جرس في الأساس، وربما يوحي إلينا من قوى أخرى لا فوقية ولا سفلية، فنرفع أيدينا عن زمن كاد يودي بنا إلى التهلكة، وكدنا نذهب به إلى ما لا يحمد عقباه، هذا هو أول الزمان يا صديقي، أم هو منتهاه؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية