القطاع الخاص ليس متهمًا ولا حتى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لا “الغرفة” مسؤولة، ولا جمعية تنمية هذه المؤسسات تتحمل تبعات المشكلة. استطلاع الرأي الذي أنجزته “البلاد” قبل أيام حول ملف الرواتب والأجور في المؤسسات الصغيرة أثار ما كان يجب إثارته منذ سنوات، 80 % من هذه المؤسسات لا تلتزم بتحويل الرواتب لموظفيها في المواعيد المقررة، الشجاعة التي اتسم بها تحقيق الصحيفة، والأمانة في نقل نتائج الاستطلاع، يكشف إلى أي مدى تعاني بعض القطاعات الاقتصادية من الإهمال غير المتعمد، من الطموح الذي يسبق العاصفة، والحلم الوردي الذي لا يتحول إلى واقع بالأمنيات الطيبة وحدها.
القطاع الخاص عمومًا يعاني، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحديدًا تعاني أكثر، وموظفو هذه المؤسسات يعانون أكثر وأكثر، لماذا؟ لأن دراسات الجدوى التي تسبق قيام أية مشاريع لم تعلن عن جدوى هذه المشاريع صراحة، الدولة مشكورة تُسهل الإجراءات، وتوفر التسهيلات، وتدعم في حدود المتاح والممكن (تمكين ومشاريعها الخلاقة من أجل دعم كل القطاعات)، لكن ما الذي يحدث يا تُرى ويضع المؤسسات الصغيرة في هذا الموقف الذي لا تُحسد عليه؟ يقولون هي المنافسة الأجنبية، ويؤكدون على التوسع في إقامة المشاريع المماثلة في سوق مازالت محدودة رغم انفتاح البلاد وسهولة التسوق فيها، ويقولون أكثر من ذلك، لكن وعلى مدى من الزمن، وخلال فترات الركود أو الرواج، الأزمات الاقتصادية العالمية والإقليمية، والأحوال المحلية غير المواتية أحيانًا، كانت “غرفة البحرين” على قدم وساق، ويدًا بيد مع جميع المؤسسات وجميع الأنشطة والقطاعات، تُناقش التجار، تبحث أوضاعهم، تناجي مشكلاتهم وطموحاتهم، وكانت هناك دائرة صغيرة في مركز صغير بإدارة “الغرفة” تحمل اسم الدراسات والبحوث الاقتصادية. وأذكر أنه عندما حاصر الركود الاقتصادي الأسواق بعد انهيار أسعار النفط في ثمانينيات القرن الماضي ووصول سعر البرميل إلى سبعة دولارات، زأرت “الغرفة” من خلال عضو مجلس إدارتها ورئيس لجنة الدراسات الاقتصادية آنذاك السيد علي بن صالح الصالح.
وعلى الفور تم تكليف فريق العمل محدود العدة والعدد بالدائرة لإنجاز دراسة حول كيفية تنشيط الوضع الاقتصادي، وبالفعل وخلال فترة لا تتجاوز الستة أسابيع تم إنجاز الدراسة التي أذكر أن السيد الصالح سهر بمفرده عليها ليلة كاملة لكي يعيد صياغة ما يمكن صياغته، ويضيف ما يمكن إضافته.
واستقبلت الدولة، ومعها الصحافة آنذاك، الدراسة بالنشر والترحاب، وعلى الفور تم إعداد استراتيجية اقتصادية جديدة لمملكة البحرين، على إثرها تحقق الانفتاح الكبير، والسماح لمواطني دول مجلس التعاون بتملك الأسهم والعقارات في المملكة، كما تم إصدار القرارات بتأسيس أول سوق رسمي لتداول الأوراق المالية في مملكة البحرين.
انتعش السوق وتمت إعادة تنظيمه، وها نحن اليوم ننعم بحكومة شابة رائدة وسباقة في الانفتاح، برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة حفظه الله ورعاه، تمامًا مثلما هي فاعلة وقادرة على تصويب الأنشطة، والتلامس مع التنافسية والتنمية المستدامة والتناغم التنموي بين القطاعات، واستلهام العبر والتجارب ممن سبقونا نحو عصرنة الأنشطة الاقتصادية، تمامًا مثلما لدينا غرفة تجارة وصناعة لديها من الموارد والإمكانات، وكذلك جمعية مختصة بتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كل هذه الموارد وكل هذه الإمكانات، وكل هذه المؤسسات، لا تحتاج منا إلا إلى وضع الحصان أمام العربة.
مجرد دراسة عن أوضاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لماذا هي متأخرة، ما الذي تعاني منه بالتحديد، ما هي معوقات النمو، ومعضلات الخروج من المأزق؟ كيف نعود بها إلى الربحية، إلى الالتزام بالأجور في مواعيدها، والإنتاج وتحديد العمالة بما يفي بالاحتياجات، ولا يفي بمتطلبات البطالة المُقنّعة؟ هل تَشبَّع السوق بالفعل، وينبغي التوقف لالتقاط الأنفاس ودراسة أعداد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والبحث في طبيعة أنشطتها وحجم السوق، ومدى جدوى هذه الأنشطة؟
الدراسة ضرورية، و”البلاد” فتحت الطريق أمام أول إحصائية من نوعها، ومن خلال تحقيق وحيد، والبقية تأتي.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية