قد تكون المرة الأولى التي أظهر فيها على إحدى المنصات المخصصة لما يسمى بـ “البث المباشر”، ليلة لا تُنسى، أن أكون “مبثوثًا” متشاركًا مع أحد الشباب المتمرسين على الظهور العفوي، على الكلام بأريحية مع الناس، مع أبسط الناس، لا ربطة عنق، لا سياسة، لا ثقافة، لا مناقشات ثقيلة الدم.. الكل يتحدث من فوق “أريكة” وثيرة، ليس حزبًا لـ “كنبة” فهؤلاء يرفضون التسمية، لكنها فعلاً “كنبة”، يتحدث فيها كل مشارك بحرية، ببساطة، بحيوية، بطرح مشكلات الحياة اليومية، حقائب المدارس ونحن على أبواب عام دراسي جديد، تكاليف الحياة المعيشية الثقيلة، وكيفية الخروج من عنق زجاجة الأزمة بتصديرها، وآلية زيادة الدخل الشهري بالقفز فوق الحقائق كلها. بث مباشر، طرح غير مباشر لقضايا في غاية الأهمية، لا يشترط الخبرة في المتحدث، ولا الكفاءة وربما حتى القبول، لا اللغة العربية الفصحى، ولا إتقان العلوم والآداب والفنون، كل ما هنالك شجاعة المواجهة، عشق الظهور على الشاشة الفضية الأصغر، أو على ميكروفون المتابعة من دون ظهور الصورة.
ملايين المتابعين ينشطون أمامك فجأة، يطرحون أعقد القضايا، يتحدثون في “أروع القصص”، ويفجرون أغرب العجائب، حسن الحظ هو الذي أخرجني من النور إلى النور، من الفضائيات العملاقة إلى كف اليد الصغيرة، ومن الموضوعات الجادة، إلى الأخرى الأكثر تداولاً وشعبية، ومن القوانين الصارمة، إلى الحرية المُطلقة. فكرت وأنا أتابع حواري مع أحد الشباب أن أطرح عليه فكرة تقنين المشاهد كلها، أن يتم الترتيب بل والتركيز على موضوع محدد، بدلاً من ذلك الشتات الذي يقود المشاهد بل والمجتمع كله إلى التشتت، خوفي من الطرح هو أن يتهمني شباب اليوم بأنني “دقة قديمة”، وأنه قد تجاوزني الزمن، وأنني أغني فقط على ليلاي، خوفي من المغامرة منعني من القيام بهذه المغامرة، قد تورطت في الحوار مع الصديق الشاب على طريقة “الفتاة زبادي”.
تلك التي التف عليها شباب المنصات لينالوا من اسمها وأصلها وفصلها، وعندما حاول الزميل بلال فضل في روايته الشهيرة – لا أذكر اسمها بالتحديد - الدفاع عن الفتاة واستخلاصها من براثن ذئاب “السوشال”، اعتدوا عليه لفظًا وسخريةً وسبًا وتعريضًا وتنكيلاً، وكل ما لذّ وطاب من ألفاظ نابية.
رغم الفارق أنني كنت أمام شاب مثقف مؤدب على “البث”، وزميلي بلال أمام جوقة على شاكلة مطربي المهرجانات، رغم عدم جواز المقارنة، إلا أنني لابد أن أُخضِع نفسي للمقارنة، هل كنت موفقًا في أول مشاركة بأول “بث” أم أنني كنت دخيلاً على شباب اليوم، وضيفًا ثقيلاً على جماهير ما قبل النوم؟.