العدد 5827
الجمعة 27 سبتمبر 2024
جريمة لا تغتفر
الجمعة 27 سبتمبر 2024

تطالعنا الصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي بالكثير من جرائم الغش والنصب والاحتيال، ولا أريد أن أخوض أكثر في تفاصيل ونوعية تلك الأعمال التي كانت بعيدة عن مجتمعنا البحريني الآمن في السنوات الماضية. فالبحرينيون بطبيعتهم ودودون ومسالمون ويعيشون منذ الأزل في توليفة وتناغم، وكانت قلوبهم قبل بيوتهم مفتوحة للجميع. أتذكر جيداً في طفولتي موقفا جديرا بالاهتمام، حيث انتشرت في فترة من الفترات بعض السرقات في الحارة، وكانت أبواب المنازل آنذاك مفتوحة ولا توجد هناك أقفال! فقد طلبت من والدي (رحمه الله) أن يقوم بتغيير الباب واستبداله بالنوع الذي يمكن قفله بهدف الحفاظ على سلامة أفراد العائلة من التعرض لأي سوء أو نوع من أنواع السرقات، لكنني فوجئت بالرد من جانبه عندما قال وبكل ثقة “لا تخف يا بني فنحن في بلد الأمن والأمان، وأشار إلى المسجد الذي كان يقع أمام منزلنا وقال.. إن هذا المسجد هو الذي يحمينا من أي سوء”. تصوروا أن هذا الموقف حصل لي قبل أكثر من 55 عاماً ومازلت أتذكره إلى يومنا هذا.

مناسبة هذه المقدمة أنني قرأت خبرا نشر في الصحف المحلية بأن النيابة العامة ألقت القبض على 3 متهمين من حملة حج مرخصة بينهم صاحب الحملة، بتهمة احتيالهم على حجاج بيت الله وتسليمهم تصاريح حج مزورة. لا أكاد أصدق الأمر، وكأنني أقرأ نصا لقصة يتم إنتاجها لمسلسل تلفزيوني! كيف وصل البعض لهذا المستوى، فقد كنت أتوقع أن أسمع عن قصص النصب والاحتيال في كل المجالات إلا في تنظيم حملات حج بيت الله الحرام. فكما هو معروف فإن النصب والاحتيال من أكثر الجرائم شيوعًا في المجتمعات، حيث يستخدم المحتال الحيل والخداع لتحقيق مكاسب غير قانونية على حساب الآخرين.

والنصب يتضمن استخدام وسائل غير مشروعة مثل الكذب والتضليل للحصول على المال أو الممتلكات أو الخدمات من الآخرين دون نية حقيقية لتقديم شيء ذي قيمة في المقابل. من بين الأنواع الشائعة للنصب والاحتيال نجد النصب في المعاملات المالية والتجارية أو في التوظيف، وكذلك عبر الإنترنت.

وعندما يكون المحتال في موقع مسؤولية، مثل أن يكون رئيس حملة للحج، تصبح الجريمة أكثر تأثيرًا بسبب ارتباطها بثقة الناس في الخدمات الدينية والحاجات الروحية، في حالة الاحتيال المرتبط بالحج يعتمد المحتال على استغلال رغبة الناس في أداء هذه الفريضة المهمة، وهي أمر ديني واجب على المسلم المستطيع. يستغل المحتال هذه الفرصة لجمع الأموال بحجة تقديم خدمات لحجاج بيت الله الحرام، مثل حجز أماكن في الفنادق، وتوفير النقل، أو تقديم خدمات الإرشاد خلال مناسك الحج. لكن، في بعض الحالات، يتبين أن هذه الحملات غير موجودة أصلاً أو حتى لا تقدم الخدمات المتفق عليها. وقد يختفي رئيس الحملة بعد جمع الأموال، أو يوفر خدمات أقل بكثير مما وعد به. مثل هذه الأنواع من الاحتيال يمكن أن تسبب للحجاج مشاكل كبيرة، مثل عدم قدرتهم على أداء فريضة الحج، والتي قد تكون الفرصة الوحيدة لهم للقيام بها.

ولتجنب الوقوع ضحية لهذه الأنواع من الاحتيال، يجب على الحجاج والمواطنين التحقق من مصداقية الحملة والتأكد من أن رئيس الحملة مسجل لدى السلطات المختصة.

في المقابل، طالعتنا الصحف المحلية بأن هيئة البحرين للسياحة والمعارض أعلنت أن إدارة الرقابة السياحية رصدت 40 مكتبا لمزاولة أنشطة السفر والحجوزات دون ترخيص قانوني! تصوروا.. 40 مكتبا! ماذا يحدث؟ في كل يوم نسمع ونتلقى معلومات وتقارير غريبة وعجيبة في هذه الأرض التي عشنا وترعرعنا وأكلنا من خيراتها، هذه الأرض التي احتضنت الجميع من مواطنين ووافدين بكل حب وسلام ووفرت الأمن والأمان في جميع أنحاء الوطن.

نعم.. لابد من التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن الوطن واستقراره وسمعته الجميلة، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمنه، ولكن يجب علينا نحن كمواطنين ومن باب غيرتنا وولائنا وإخلاصنا أن ندافع عن مكتسباتنا الوطنية ونعمل يدا بيد للتصدي لهذه الممارسات التي تهدد المجتمع البحريني. ربي احفظ بحريننا الغالية من كل سوء ومكروه.

 

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية