المتأمل للاستراتيجية التي اعتمدتها المحافظة الشمالية يجد أنها مبتكرة وتلامس واقع الإنسان وأدق قضاياه، والمثال برنامج “المدن الصحية” الذي تشتغل عليه المحافظة منذ سنوات، ويهدف إلى إشراك جميع القطاعات التي تقدم على تعزيز الصحة، وفي ذات الوقت ينسجم مع شعار منظمة الصحة العالمية. والبرنامج الآخر “الرابح الأكبر”، ويشكل أحد البرامج الوقائية التي ترمي إلى تحسين صحة الإنسان، كما أنّ احتفالية المحافظة بالنسخة الثامنة خلال خمس سنوات دليل على ملامستها قضايا المجتمع وهمومه.
والذي أثار الإعجاب هو أن أعداد المتسابقين فاق حجم التوقع، ولعل ذلك يقدم الدليل على ما يتمتع به من جدية بالغة، والسؤال الذي يسترعي الانتباه لماذا كانت باكورة الاستراتيجية الصّحة؟ الإجابة ببساطة شديدة قناعتهم أنّ صحة الإنسان تأتي على رأس الأولويات، والتي يجب أن يحرص عليها كل فرد، وأنّ (السعادة تبدأ من المعدة) طبقا لمقولة لأحد الأطباء الحكماء. ثم إنّ اختيار التوعية الصحية لمخاطبة الجمهور عين الصواب. كان بوسع المسؤولين في المحافظة إطلاق برامج التوعية الصحية النظرية عبر كل وسائل الاتصال التقليدية والحديثة، بيد أنّ احتمال نجاحها سيبقى محدودا، بيد أنها لم تكتف بالنظري بل أضافت التطبيق العملي عبر دعوة الأهالي إلى المشاركة وتعبئة كل القطاعات، وتم رصد الحوافز المادية السخية، ولم يكن مفاجئا لنا أن تنهال المشاركات التي تعدت الثلاثة آلاف مشاركة. ومن المفارقات هنا أنّ جميع المؤسسات الرياضية والتجارية من المفترض أن تنهض بهذه المبادرات التي لا تحظى بأي قدر من اهتمامها، في حين نجدها على قائمة أولويات المحافظة وبالتالي كسبت إعجاب الأهالي وتقديرهم. إنّ الحملة الصحية للمحافظة الشمالية لم تستهدف الرجال وحدهم، لكنها فتحت الباب أمام النساء أيضا، وهذا ينم عن حرص بالغ بكل فئات المجتمع. إننا نشد على أيدي القائمين على هذه الفعاليات والبرامج وعلى رأسهم محافظ الشمالية علي الشيخ عبدالحسين العصفور على هذه المبادة الرائعة، والذي نتمناه أن تتكرر بشكل سنوي أو نصف سنوي، كما نتمنى أن تطبق مثل هذه البرامج في المحافظات الأخرى، وبهذا النهج الحضاري الكبير.
* كاتب وتربوي بحريني