كانت خطوة موفقة تلك التي اتخذتها وزارة الصحة بتخصيص الطبّ العائليّ، ومن الأهداف التي يرمي إليها القرار إقامة علاقات مميزة بين الطبيب والمريض، وضمن إيجابياتها أنها أتاحت أمام أفراد العائلة اختيار من يثقون به من الأطباء وربما يجدون فيه الإنسان الأقرب لهم للتحدث عن معاناتهم وهمومهم، وهناك سمات أخرى عرفتها الأدبيات الطبية منها امتلاك المهارات للتعامل مع كل المشكلات الصحية التي تواجه المرضى، إضافة إلى تقديم الخدمة العلاجية بأكمل وجه.
المرضى المترددون على العيادات بالمراكز الصحية يواجهون معضلات جسمية ونفسية معا، بيد أن فئة من الأطباء يتعاملون مع الجسمية فقط ويتجاهلون الشق النفسيّ، وهذا باعتقادنا لا يسهم في التوصل إلى العلاج التام، ويشكل خللا فادحا كان يجب تداركه قبل أن تستفحل الحالات المرضية. إنّ الكثير من الحالات المرضية منشؤها في الغالب عوامل نفسية، وهذا ما أكدته البحوث الطبية على مدى عقود سالفة، والذي يجب أن يحرص عليه الأطباء بالمراكز الصحية هو الاستماع إلى المرضى ومنحهم الفرصة للتعبير عن متاعبهم النفسية، لأن ذلك يسهم في شعور المرضى بالراحة، وهذا الدور مفقود للأسف الشديد. التقليل من الجانب النفسي يضاعف الحالة المرضية، وقد يستعصي على الأطباء العلاج. إننا نتفهم ما يسوقه أطباء المراكز من أنّ الوقت لا يسمح لهم، لكنه باعتقادنا ليس مبررا كافيا لتجاهل المريض نفسيا، وربما يرد البعض منهم بأنهم لا يمتلكون مهارة الطبيب النفسي، وهذا يمكن تفهمه أيضا، لكن ما نتمناه هو التعرف على الجانب الآخر من حالة المريض ونحن واثقون بإمكانياتهم. لقد جرب الأطباء نمطا واحدا من العلاج هو الاستماع إلى أعراض الحالة، ومن ثم إجراء التحاليل المختبرية، ونجحوا في البعض منها، لكن هناك حالات استعصت على العلاج، فلا بأس من أن يجربوا الأسلوب الآخر وهو الأعراض النفسية.
ولابدّ هنا من الإشارة إلى أنّ أمراض العصر كالقلق والتوتر والاكتئاب والتفكير المفرط لا يكاد ينجو منها أحد، وكما قال عالم النفس نك يرينتون انّ محاولات الإنسان الانتصار على تلك الأمراض ليس مستحيلا، بل يمكن السيطرة عليها غير أنّ إهمالها قد يؤدي إلى تضخمها وبالتالي يصعب القضاء عليها.
كاتب وتربوي بحريني