لماذا العودة إلى هذا الملف الشائك، ونعني ملف الاقتراض؟ لأنه ببساطة الباعث على قلق شريحة لا يستهان بها ممن دفعتهم ظروفهم للاستدانة، إنّ الكثير من القضايا المعقدة وجدت طريقها إلى الحل باستثناء المقترضين الذّين بقي ملفهم معلقا إلى أجل غير معلوم. السؤال هنا من يعيد لهؤلاء طمأنينتهم؟ ومن يخفف عنهم الهموم التي تؤرقهم آناء الليل والنهار؟ إنّ آمالهم معلقة على أعضاء المجلس النيابيّ الذين بوسعهم إيجاد مخرج لهم من أزماتهم التي بلا حدود.
الواقعون في مشكلة الاقتراض يعيشون أزمة متعددة الأبعاد، فلا هم قادرون على التخلص من أسرها، ولا أحد قادر على انتشالهم من أوضاعهم البائسة، والديون تحاصرهم دون أن تكون ثمة بارقة أمل أمامهم. أتذكر أنّ هناك مقترحا نيابيا قبيل عشر سنوات تقدمت به كتلة نيابية يتلخص في إنشاء صندوق لمعالجة أوضاع المعسرين لسداد قروضهم الاستهلاكية الممنوحة من البنوك والشركات الاستثمارية الخاصة. والمهمة طبقا للمقترح معالجة أوضاع كل مدين، وأن يتكفل الصندوق بسداد ديون المواطنين وفي ذات الوقت تحصل البنوك وشركات الاستثمار حقوقها من هؤلاء المدينين. وكانت العقبة حول التمويل، واهتدى أعضاء الكتلة إلى أنّ مصدر التمويل هو صندوق الاحتياطي العام للدولة، بحيث لا يتجاوز مئتين وخمسين مليون دينار. وتمت إحالة المقترح للدراسة من قبل مجلس الوزراء. وطبعا بعث هذا الأمل في نفوس المقترضين وطمأنهم بأنّ انفراجا قريبا لمأساتهم التي أخذت بخناقهم على مدى سنوات، بيد أنّ المقترح لم يقيض له النجاح لظروف غير معلومة. إنّ حجم المبالغ المقترضة حتى قبيل سنوات كانت تناهز المليار ونصف المليار دينار بحرينيّ، ومثل هذا الحجم الهائل من الاقتراض يتطلب معالجة سريعة وحلولا جذرية آنية، نظرا لما تشكله من أعباء على الطبقتين الدنيا والوسطى، والذي يتمناه هؤلاء المقترضون في هذا الوقت بالتحديد هو البدء في حلول تخفف ثقل القروض.
الكثيرون يظنون أنّ الذي أملى على هؤلاء المقترضين اللجوء إلى القروض الشخصية هو دافع الترف، لكن الواقع هو النقيض تماما لهذا التصور، فالأغلبية منهم دفعتهم ظروف اضطرارية، فهي إما للبناء أو الترميم أو الزواج أو شراء سيارة، وجميعها تندرج تحت عناوين الحاجة الماسة.
المعضلة الأكبر لهذه الفئة الأقساط المقتطعة من رواتبهم، فالأغلبية منهم تستنزف هذه القروض نصف الرواتب، وهذا بالطبع يبعث على القلق وبالتالي يحملون همّ إعاشة أسرهم طوال الشهر. فليس من المعقول أن تقتات هذه الأسر الفقر والحرمان في ظل الغلاء الفاحش.
كاتب وتربوي بحريني