الكثير من طلابنا اليوم لا يملون عن ترديد جملة باتت مستهلكة وتبعث على الاستياء، وهي أن اللغة العربية صعبة، وحجتهم أنّ اللغة صعبة لا تستطيع الأجيال أن تفهمها وتستوعبها، وهم على ما يبدو هنا يشيرون إلى علم النحو.
وإذا كنا نتفق معهم في هذه الجزئية فإننا نود أن نؤكد حقيقة مؤسفة أن مرد هذه الظاهرة يعود إلى بعض أساتذة اللغة العربية الذين لبالغ الأسف تنقصهم القدرة على تطويع قواعد النحو وتبسيطها بحيث تكون قريبة للأذهان، ويجب أن نقر أيضا بأنّ هناك تدهورا طرأ على تدريس العربية، الأمر الذي صرف الكثيرين عن دراستها وبالتالي إتقانها.
بالطبع ليس من الجائز أن نجحد الجهود الجبارة لكبار علماء اللغة العربية طوال عقود سالفة في سبيل تسهيل علوم النحو والصرف، وخير شاهد هو ما تكتظ به المكتبات من مؤلفاتهم لمن أراد من طلاب المعرفة.
ولعل أغلبنا يتذكر كيف كان جيل الأجداد يعهدون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم إلى (مؤدب)، إدراكا منهم لضرورة أن يشبوا صحيحي اللسان، وهذا المؤدب لا تقتصر مهمته على التربية فحسب، لكن أيضا تزويد الناشئة بالمعارف حتى يشبوا فصيحي اللسان، محبين للغة العربية، كما كان معلمو القرآن ينهضون بمهمة تقويم الأبناء على حب اللغة، ولا شك أنّ المعلمين اليوم يدركون الفارق الشاسع بين من التحقوا بمعلم القرآن والآخرين. والحديث عن اللغة العربية يجرنا بالضرورة إلى ما شاع في السنوات الأخيرة من دعوات “لتجديدها”، بمعنى استبدال حروفها المعروفة بأرقام حتى استحالت إلى خليط هجين بين الحروف والأرقام شائع بين الأجيال الجديدة، خصوصا في وسائل الاتصال الحديثة.
إنّ المبدعين من شعراء العربية أمثال شوقي وحافظ والجواهري وبدوي الجبل وعباقرة الكتاب كالرافعي والمنفلوطي والعقاد وطه حسين والعلايلي والعشرات غيرهم أكدوا عبقرية اللغة العربية وقدرتها على التجديد والابتكار.
وقد سئل الشاعر الكبير نزار قباني ذات مرة: أنت متهم بتجاوزك للقاموس؟ فكانت إجابته بأنّ القاموس ليس ضريحا.. القاموس فيه ألف لفظة ميتة، وأنا أتعامل مع الأحياء، واللغة ليست ضريحا لكنها بحر يغير أمواجه. والمعنى الذي يشير إليه هو أنّ اللغة تجدد ذاتها.
* كاتب وتربوي بحريني