في دولة الإمارات العربية المتحدة، تُعتبر ظروف العمل والمناخ من العوامل الأساسية التي تؤخذ في الاعتبار عند وضع سياسات العمل، خصوصًا خلال فصل الصيف، حيث تصل درجات الحرارة إلى مستويات مرتفعة جدًا، ومع تزايد الوعي بأهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية وضرورة الحفاظ على صحة وسلامة العمال أعلنت دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي إطلاقا تجريبيا لمبادرة “صيفنا مرن” الرامية إلى تقليل ساعات العمل في الجهات الحكومية المشاركة خلال فترة الصيف، انطلاقاً من حرص الدائرة على دعم متطلبات الجهات الحكومية وتعزيز أداء موظفيها وجودة حياتهم وتوفير المرونة في بيئة العمل.
ويتماشى إطلاق هذه المبادرة مع الاستراتيجيات والرؤى الاستشرافية للقيادة الرشيدة حول “استراتيجية جودة الحياة في دبي 2033” التي تُعنى بجودة الحياة وتضع الإنسان محوراً أساسياً لها، ما يرسّخ مكانة دبي عالمياً في صدارة المدن المفضلة للعيش والعمل والاستقرار. وتشارك 15 جهة حكومية في التطبيق التجريبي لهذه المبادرة التي تُعزز مرونة بيئة العمل من خلال تقليل ساعات العمل إلى سبع ساعات وتعليق العمل يوم الجمعة، حيث بدأت بتاريخ 12 اغسطس وتستمر حتى 30 سبتمبر 2024. وذكرت دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي أنها أجرت قبل إطلاق هذه المبادرة استبانة لاستطلاع إمكانية وآراء الجهات لتبني تقليل ساعات العمل خلال فترة الصيف، ما يُتيح للموظّفين القيام بأنشطة إضافية بعد انتهاء ساعات العمل، إضافة إلى تقليل استهلاك الطاقة في الدوائر الحكومية، وذلك في إطار حرص الدائرة على تعزيز استدامة الموارد الحكومية. وبموجب الاستبانة، لاقى المقترح تأييداً كبيراً من قِبل المشاركين، ما يؤكّد الرغبة المتزايدة في تحقيق التوازن بين الحياة العملية والشخصية ودور ذلك في تحسين الإنتاجية وجودة حياة الموظفين، وأشارت الدائرة إلى أنها ستقوم خلال فترة المبادرة بتقديم الدعم المطلوب للجهات والتواصل معها حول أثر تطبيق النظام على الموظفين وإنتاجيتهم.
إضافةً إلى رصد الملاحظات والتغذية الراجعة بشكل دوري لرفع تقرير نهائي يُوضح ويُقيّم نتائج المبادرة والتوصيات النهائية للدائرة بشأن المبادرة، وإمكانية تطبيقها على مختلف الدوائر الحكومية العاملة بموجب قانون إدارة الموارد البشرية في إمارة دبي خلال فترة الصيف في الأعوام المقبلة.
أما فكرة العمل لأربعة أيام في الأسبوع، فهي مقترح حديث نسبيًا ويكتسب زخمًا عالميًا كجزء من إعادة النظر في كيفية توازن العمل مع الحياة الشخصية. العديد من الدراسات تشير إلى أن خفض أيام العمل يمكن أن يحسّن الإنتاجية العامة للموظفين ويقلل مستويات التوتر والإرهاق. بالنسبة للإمارات، يمكن أن تكون هذه السياسة فعالة في تعزيز سعادة الموظفين، وزيادة الرضا الوظيفي، وتعزيز الاقتصاد المستدام، خصوصًا إذا تم تطبيقها بالتزامن مع استراتيجيات أخرى مثل العمل عن بُعد أو المرونة في ساعات العمل.
وتشير الأبحاث إلى أن تقليل ساعات العمل يمكن أن يحفز الموظفين على العمل بكفاءة أعلى خلال ساعات العمل المتبقية. كما أن تقليل التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة يقلل المخاطر الصحية، بينما يمنح نظام الأربعة أيام الموظفين مزيدًا من الوقت للراحة والاسترخاء. ويمكن أن يكون العمل لأربعة أيام في الأسبوع ميزة تنافسية تجذب المواهب من الأسواق الأخرى. ناهيك عن تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
الخلاصة.. شخصيا أجد أن هذا النظام جيد، بل رائع، متمنيا أن يتابع المسؤولون في جهاز الخدمة المدنية نتائج هذه التجربة الإماراتية السباقة، حيث إن ظروف العمل والمناخ ليست مشابهة فحسب، بل متطابقة معهم، فإن كانت النتائج مرضية ومجدية، فما المانع من نسخ التجربة عندنا.
يقول داني ميلر وايزابيل لو بريتون- ميلر مؤلفا كتاب “الإدارة على المدى الطويل” تقليد النجاح ليس عيبا، بل يعتبر دليلا على استيعاب الدروس والعبر والاستفادة بها.
كاتب وإعلامي بحريني