من الأمثال القديمة التي ارتبطت بالوجدان البحريني (عذاري تسقي البعيد وتترك القريب)، وعذاري أشهر عين عذبة في البحرين والخليج العربي، فهي واحة النخيل الغناء التي يقصدها الناس، لذا نسجت حولها الكثير من الحكايات والقصص. أتذكر جيدا أغنية الفنان محمد يوسف الجميري، ومن كلمات وألحان الفنان القدير خالد الشيخ المشهورة “عذاري وين الماي.. وينه؟”، هذه الأغنية الرائعة التي نالت استحسان وإعجاب الجمهور البحريني صاحب الحس والذوق الفني الرفيع، ولا شك أن هناك الكثير من الفنانين الآخرين الذين غنوا لهذه العين، مثل أحمد الجميري وعبدالله الرويشد ونوال الكويتية وأحمد الحداد والمرحوم عبدالكريم عبدالقادر. لكن لماذا شاع عنها المثل.. عين عذاري تسقي البعيد وتترك القريب؟ يقول البعض إنه كان يوجد بالقرب منها مجموعة من النخيل لا يصل إليها ماء هذه العين، حيث إنها تسقي النخيل والبساتين التي تبتعد عنها أكثر من 2 كيلومتر، ولا أريد أن أخوض أكثر في تاريخ هذه العين العريقة التي لنا فيها الكثير من الأيام والذكريات الجميلة في الستينات والسبعينات.
مناسبة هذه المقدمة عن عين عذاري باختصار ما نشرته إحدى المنصات الإخبارية المحلية عن أن العين لا يمكن افتتاحها هذا الصيف بسبب عدم توفر مستثمر لها، أو بالأحرى إيجاد مستثمر جديد، وكذلك بسبب قصر الفترة الزمنية المتبقية من فصل الصيف! استغربت كثيرا، بل صدمت من هذا التبرير! تصوروا أن وزارة شؤون البلديات والزراعة وهي التي تعتبر الجهة المسؤولة عن هذه العين التاريخية لا تستطيع إيجاد حل لهذا الموضوع المهم، هذه العين التي يرتادها الكثير من السياح من المفترض أن تكون وجهة سياحية جاذبة للمملكة، حالها حال بقية المرافق والمواقع السياحية التاريخية والأثرية، ناهيك عن توفير وسيلة ترفيه للمواطنين والمقيمين هروبا من الطقس الحار في فترة الصيف، وهي متنفس للكثير من الناس الذين تحول ظروفهم المادية دون السفر إلى الخارج.
في المقابل، لا ننكر جهود الوزارة الحثيثة والمضنية لتوفير وتخصيص العديد من المرافق العامة في جميع المحافظات، لكنها من وجهة نظري تستطيع تحقيق إنجازات وطموحات أكبر، فهذه العين على سبيل المثال وليس الحصر لها اعتبارات خاصة كما ذكرت سابقاً.
أنا على يقين بأن الحكومة الرشيدة لا تتردد في تخصيص الميزانية المطلوبة لذلك إذا ما افترضنا ذلك، كما أن الوزارة الموقرة عليها إيجاد الحلول البديلة كمشاركة القطاع الخاص على سبيل المثال وليس الحصر، حتى إن تطلب الأمر فرض رسوم دخول رمزية لتغطية مصاريف الصيانة والأمور اللوجستية الأخرى.
شخصيا كتبت الكثير من المقالات في هذا الشأن، ولا ضير أن نخاطب المؤسسات والشركات والبنوك الخاصة لتقديم الرعاية اللازمة لهذه المشاريع كجزء من سياساتها لبرامج المسؤولية الاجتماعية، وأنا على يقين بأنها لن تتردد في تلبية هذا النداء الوطني، بل إنها تشجع ذلك متى ما تم طلبه منها، شريطة أن تكون الطلبات عقلانية ومنطقية. فقط نحتاج إلى تسويق هذه المشاريع والخدمات، معظمنا زار الكثير من دول العالم، وشاهدنا كيف أن الوزارات والجهات المسؤولة عن توفير هذه الخدمات تقوم بجهود جبارة، بل استثنائية وعلى مستوى عال من التنظيم والحرص على المحافظة على البيئة والنظافة العامة والصيانة الدورية للمرافق لتكون في أفضل حالاتها وضمان استدامتها.
كاتب وإعلامي بحريني