حفلات الاستقبال التي يقيمها الحجاج بعد عودتهم من الحج تعد من التقاليد الاجتماعية الراسخة في العديد من الثقافات الإسلامية، هذه الحفلات لها أهمية خاصة وجوانب دينية وثقافية واجتماعية، فالحجاج يعبرون عن شكرهم لله على تسهيل أداء مناسك الحج، ويقدم الحجاج دعوات وبركات للأهل والأصدقاء، ما يعزز الروابط الروحية بين أفراد المجتمع.
كما أن الاحتفالات تختلف من بلد لآخر، فكل مجتمع له تقاليده الخاصة في استقبال الحجاج، إذ تعتبر هذه الحفلات فرصة لتجديد العلاقات الاجتماعية وتعزيز الروابط بين أفراد المجتمع، ناهيك عن مشاركة الحجاج تجاربهم ومواقفهم أثناء الحج، ما يزيد الوعي الديني لدى الآخرين، وجرت العادة بأن يقوم الحجاج بتوزيع الهدايا التذكارية مثل المسابح والماء المقدس من زمزم. لا شك أن هذه الحفلات تسهم في تعزيز الوحدة والتلاحم بين أفراد المجتمع وتعزز الروح المعنوية لدى الحجاج وأفراد المجتمع، كونها تجسيدًا لفرحة العودة من رحلة روحية مهمة، فحفلات استقبال الحجاج تقليد يعكس الغنى الثقافي والديني للمجتمعات الإسلامية، ويعزز القيم الاجتماعية والتواصل بين أفراد المجتمع. لكن أن نشاهد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات مصورة لحجاج يقيمون حفل استقبال وكأنه حفل زواج ويشمل DJ وتصويرا ومونتاجا وكأنه فيلم، بالإضافة إلى صرف مبالغ ضخمة على الإعداد والتحضير من ديكور ومأكولات ومشروبات فيها من البذخ الذي لا يرضاه الله سبحانه وتعالى! لا أدري إلى أين وصلت هذه التصرفات والممارسات الخاطئة لدى الكثير من افراد مجتمعنا. بالله عليكم أليس من الأجدر صرف هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين بدلا من هذا التبذير. قال تعالى “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين”. من المؤسف أننا نبخل كثيرا في مساعدة الناس الذين هم بأمس الحاجة للمال لتوفير الطعام والشراب، نقرأ ونشاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من المآسي في جميع أنحاء العالم دون أن يحرك ذلك فينا ساكنا!
في المقابل، لا نتردد في الصرف على الكثير من الأشياء الأخرى من الكماليات التي نستخدمها يوميا في حياتنا الشخصية!
لقد أصبح الناس مع الأسف الشديد أنانيين إلى حد كبير لا يصدقه ولا يقبله العقل، بل غاب عنهم الإحساس بالآخرين وحتى أصابهم بالعمى!
ديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على عمل الخير ومساعدة الآخرين ومد يد العون لهم، ولكن من المؤسف أن البعض يظن أنه فقط عليه أداء الفروض الدينية وحسب!
“إذا لم تستح فافعل ما شئت”. مشكلتنا أننا نتقن فن التقليد الأعمى في كل شيء، ومن المؤسف جدا التقليد فيما يخص الممارسات الخاطئة! كم أتمنى أن نقوم بتقليد الآخرين الذين يتفوقون علينا في العلم والمعرفة والثقافة والحضارة والممارسات الصحيحة، وإن لم يكونوا من نفس ديانتنا، فلا ضير من التقليد الأعمى للآخرين فيما هو مفيد ليكون إضافة رائعة ورقيا لمجتمعاتنا، هذه الأمور لا علاقة لها بالدين، والإنسان العاقل هو من يقوم بنسخ ما هو مفيد له ولوطنه! أنا على يقين بأن تصرف هذه الحاجة المشين سيقوم كثيرون بنفس الفعل، بل أكثر من ذلك ليثبتوا أنهم أفضل منها! فالكل يعلم مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الحالة النفسية للناس. فكما يعلم الجميع التبذير مشكلة تتطلب تضافر الجهود للحد منها، من خلال التوعية وتبني أساليب حياة أكثر استدامة، ويمكننا أن نقلل من آثار التبذير ونعمل على بناء مجتمعات أكثر استقرارا وازدهارا. والله من وراء القصد.
كاتب وإعلامي بحريني