لم يكن الباحث العلمي “آلان تورينغ Alan Turing” الذي توفي في ريعان شبابه يعلم أن ورقته البحثية التي كانت بعنوان “آلات الحوسبة والذكاء” Computing Machinery and Intelligence” (1950)”، والتي كانت لزمن طويل رهينة الأدراج، ستكون في يوم ما مصدرا لتلك الفكرة الإبداعية التي ستثير الإنسانية في مجال متخصص، وهو الذكاء الآلي أو ما يسمى بـ “الذكاء الاصطناعي”، والذي يعني علم وهندسة جعل الآلات ذكية من أجل محاكاة القدرات المعرفية البشرية وبناء مجتمعات رقمية شاملة قادرة على الإبداع. إذ تعد التكنولوجيا الرقمية في عصرنا الحاضر قوة أساسية للتغيير وإعادة تشكيل الاقتصاديات، والحكومات، ومن ثم تساهم في تحقيق أعلى مستويات الجودة، ما يؤدي إلى تحسين وتطوير الأعمال بشكل شامل وتوفير الوقت والجهد، ودعم أهداف التنمية المستدامة.

وبذلك شكل الذكاء الاصطناعي Chat-GPT في عصرنا الحاضر مرحلة تطور نوعي للعقل الإلكتروني عندما بدأت البحوث العلمية عام 1952 مرورا بإجراء البحوث في الحوسبة وتطبيقاتها في الثمانينات حتى أصبحت الآلات الذكية تدخل في مجالات عملية عديدة في الحياة، بعدها ظهر الذكاء الاصطناعي الذي ليس مجرد تقليد للذكاء البشري، بل أصبح منافسا له، حيث أصبح قادرا على أن يصل إلى مرحلة متقدمة للعمليات العقلية، وأهمها القدرة على الإبداع والابتكار في أغلب المجالات العملية كالمجال التربوي والبحوث العلمية والتكنولوجيا والصناعة والطب والمجال الأمني الاستخباراتي والفنون وغيرها، والتي أصبحت توظف الآلة الذكية الإبداعية بدل الإنسان وتختصر الجهد والوقت. ويعني الإبداع الأصالة في إعطاء الأفكار والطلاقة والمرونة والتفاصيل، وبذلك أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة القفزة والانفجار المعرفي، فأصبحت الآلة الذكية الإبداعية هي التي تفكر وتخطط وتنتج وتعطي حلولا جديدة لمشكلات الإنسان، وهنا يطرأ علينا سؤال وهو: ماذا لو خرجت هذه الآلة عن سيطرة الإنسان؟ حيث مثلما للذكاء الاصطناعي منجزات إيجابية بالمقابل قد تكون له أخطار على البشرية عندما يساء استخدامه فيما يهدد السلم العالمي.

وذلك عندما يستخدم في صناعة الأسلحة التدميرية، أو قد يستخدم من قبل الجماعات المتطرفة في العمليات الإرهابية، لذا لابد من وجود تشريعات وقوانين تحد من ذلك الخطر، وقد استشعر بعض العلماء والباحثين هذا الخطر لدرجة أنهم رفضوا إطلاق العنان لبرامج الذكاء الاصطناعي بيد أن الواقع يفرض استخدامه حتى لا تتوقف المسيرة العلمية وأهميتها في تطور البشرية.

كاتب وأكاديمي بحريني