حتى الرمق الأخير، وقبل خط النهاية بـ 24 ساعة، لم يتصور أكثرنا تفاؤلاً بأن العرب يمكنهم أن يحققوا “الذهب” بعد البطلة البحرينية وينفرد يافي، ولا “الفضة” بعد بطلة الـ 400 متر عدو البحرينية سلوى عيد ناصر. تصورنا جميعًا أن الأرض الخصبة لم تعد قادرة على الإنجاب، وأن الوطن الأكبر مازال صغيرًا أمام العالم بأفعاله وأقواله وأضغاث أحلامه. تصورنا أن الذهب ذهب، وأن “ما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”، هكذا تصورنا وهكذا حملنا حقائبنا من عاصمة النور باريس أو أرض أولمبياد 24 لنعود إلى ديارنا محملين بالأحزان والأشواق لفرصة أخرى لعل وعسى. حتى جاء يوم الجمعة لتفاجئنا ابنة الجزائر أو حفيدة المليون شهيد إيمان خليف وتحقق الذهبية في الملاكمة، وتبهر العالم بأدائها البطولي، وتخرس كل من تقوَّل عليها وعلى جنسها. ما تم الإعلان عن النتيجة حتى فاجأنا بطل الخماسي الحديث المصري أحمد الجندي بذهبية غير مسبوقة محققًا رقمًا عالميًا جديدًا، ثم البطلة المصرية سارة سمير بفضية في رفع الأثقال، ثم العدائين المغاربة بذهب وبرونز، ثم التونسيين الأشاوس، ثم.. وثم، وميداليات أخرى تم تتويجنا بها.
الرياضة انعكاس للواقع، هي المرآة التي نتنفس من خلالها الصعداء لنعيش مستوى التطور الذي تشهده أمتنا، وطبيعة النهضة التي قامت الأوطان العربية العريقة على أكتافها، لم يكن الازدهار وليدًا للماضي وحده، ولا لشهيدٍ ضاربٍ في جذور التاريخ، ولا حتى لإنجازٍ راقدٍ في مدافن دلمون القديمة أو الجيزة الفرعونية البديعة. الإنجاز الحضاري لا تحدده تواريخ، ولا تقيده ظروف اقتصادية أو عوامل سياسية أو تحديات تاريخية، إنه إنجاز شعبي وطموح مجتمع، وإبداع فردي، من هنا حقق أبطال البحرين الذهب والفضة، وأبطال مصر الذهب والفضة والبرونز، وأبطال الجزائر الذهب ثم الذهب، والمغرب وتونس.
هذه هي أمتنا الكبرى، هذا هو وطننا الأكبر، صحيح أن خروج مصر أمام فرنسا في الدقائق العشر الأخيرة قبل تحقيق فريق كرة القدم أول فضية أولمبية في تاريخه قد حَزّ في النفس، وأحزن عشرات الملايين من المصريين والعرب، وصحيح أن فريق الكنانة لكرة اليد خذلنا في الدقيقة الأخيرة ليخرج مهزومًا قبل المربع الذهبي من بطلة العالم إسبانيا بعد أن كان متقدمًا بأربعة أهداف، لكن الصحيح أيضًا أن “الليث لا يعدم فريسته أينما ذهب”، وأن ميداليتي مملكة البحرين وما تلاها من ميداليات مصرية ومغربية وجزائرية وتونسية قد أثلج الصدر، وأوقد شموع الأمل، وأدخلنا في حالة جديدة من الفخر والثقة بالنفس، وأن النصر لو تأخر كثيرًا فإننا قادرون بعون الله على تحقيقه، وأن نصل متأخرين أفضل من ألا نصل أبدًا، مبروك يا بحرين.. مبروك يا عرب.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية