العدد 5771
الجمعة 02 أغسطس 2024
قصة “العشاء الأخير”
الجمعة 02 أغسطس 2024

لم تكن دراما أنجيلية، أو آلهة “تحت التمرين” وفقاً للأساطير اليونانية، لكنها جريمة بجميع مقاييس الصراع العقائدي الوجودي، بين يهوذا الإسخريوطي السيد المسيح، أو بين تصوير مشهد “العشاء الأخير” الذي جسدته لوحة الفنان الإيطالي “ليوناردو دافنشي” بحركات الشواذ أو المتحولين جنسياً في حفل افتتاح أولمبياد باريس يوليو 2024. الكنيسة الكاثوليكية تحتج، و”الإنجيلية” تقدم قرابين التوبة على خطايا المنظمين، أما الحكومة الفرنسية فتهب موقع القريتين الأولمبية والبارلمبية للمعوزين “إسكانيا”.

خلطة بين المملكة اليهودية العليا، والامبراطورية الرومانية الحالمة، هي نفسها تلك الهزة الإنسانية التي أصابت “الملتزمين” عندما حاول المتحولون جنسياً في الحفل تصوير شخوص لوجه “العشاء الأخير” الذي سبق قتل وصلب السيد المسيح، بحركات إباحية للنيل من هيبة قداسته، وطبيعة رسالته. كان واضحا أن “اللعب بالنار” أصبح تقليداً أوروبياً متهافتاً في مختلف المناسبات، ترويج لمثليين، أو إهانة لأنبياء، أو نيل من حرمة تاريخ. فريق يفكر باسم اليسار الأوروبي الآفل نجمه، وآخر يبارزه بالتي هي أقوم، فلا الآفل يعود نجمه إلى الظهور في السماء العٌلا، ولا المؤمن برسالة الأنبياء يمتلك أدوات تغيير الواقع المزري. لذا لم يكن غريباً أن من كانوا يرفعون شعار الحرية والديمقراطية في أوروبا “ما بعد الثورة الصناعية” هم أنفسهم الذين يُسقطون الحرية والديمقراطية بلمس الأكتاف، ويهزمونها هزيمة نكراء في افتتاح أحدث أولمبياد في العصر. قامت الدنيا ولم تقعد، ليس لأن شخوص لوحة دافنشي لا تستطيع الدفاع عن نفسها، ولا لأن العشاء الأخير نفسه لا يمكنه أن يكون إلا عشاء أخيراً بعد قتل السيد المسيح، لكن لأنها المهمة الدينية والدفاع الشرعي عن النفس، ومحاولة حماية ما تبقى من آيات المعتقد التي خرجت من الكنيسة بتفرعاتها وايماناتها، وإيماءاتها إلى حدود الأزهر الشريف الذي وجه رسالة شديدة اللهجة لمنظمي حفل افتتاح الأولمبياد، متهما إياهم بالاعتداء السافر على المقدسات، ومحاولة هدم الأديان، والإساءة لرموزها الكرام.

وزارة الأوقاف المصرية من خلال وزيرها الجديد الدكتور أسامة الأزهري، مضت على النهج ذاته متهمة المنظمين بالاستمرار في الموقف الهزلي العلماني الذي يحاول النيل من الأديان والأنبياء من خلال التعامل معهم وكأنهم بشر عاديون، يرقصون، ويتمايلون ويشبه لهم حتى من فئة خارجة عن التقاليد والأخلاق والقانون.

الفلاسفة العرب وما أكثرهم، خصوصا الشيوعيون المتقاعدون، شنوا حملة شعواء على المواقع الإلكترونية والصحف المتاحة ضد الرأسمالية “المفلسة” بل وضد رموزها وحملة مباخرها، والمدافعين عن صروحها الديمقراطية الباهتة، ثم ربط هذا كله بالحالة الدينية “المتهالكة” في غرب أوروبا، والتي لم تعد تحترم ديناً سماوياً ولا تقليداً اجتماعياً، ولا معتقداً إنسانياً.

وصفت إحدى الكاتبات قضية “أوبريت” العشاء الأخير، بأنه دليل جديد على انهيار حضارة الغرب، وبدء ترويج حضارة جديدة في الشرق بقيادة الدول الأكثر قدرة على إدارة شؤون العالم الجديد اقتصادياً وعسكرياً، ثقافياً وعلمياً، حيث “العشاء الأخير” لن يكون أخيراً، وقتل أو صلب السيد المسيح عليه السلام، لن يكون قرباناً مثيراً، لأن يهوذا العصر الحديث مازال يقتل الفلسطينيين في قطاع غزة بدم بارد، ومازال “التلاميذ” والحواريون يقفون على مسافة واحدة لأول مرة بين من يؤمنون به ومن يكفرون بجرائمه.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .