لم يسكت هاتفي، لم ينطق هذه المرة عن الهوى، قال كلمته الفصل في قضية لاعب كرة القدم "الزملكاوي" المأسوف عليه "أحمد رفعت"، وفي المؤامرة التي أودت بحياته المتهم فيها أحد الإعلاميين الكبار المسيطرين على الساحة الرياضية في العشرين سنة الأخيرة. "عندما تسقط الذبيحة تكثر سكاكينها"، هكذا يقولون، ولكن "لا يضيع حق وراءه مطالب"، هكذا أيضًا يقولون، لكن ما فعله الإعلامي المصري في لاعب كرة القدم الذي وصفوه بـ "الشهيد" لم يخطر على بال، ما أدى إلى موقف "المتحدة للخدمات الإعلامية" بوقف هذا الإعلامي "الخطير"، بل ومنعه تمامًا من العمل، وتحويل ملف تجاوزاته إلى النيابة العامة والقضاء.
هذا الإعلامي لا يهمنا في شيء لأنه كان يعيش الفوضى من أوسع أبوابها، والتجاوزات المستشرية في المنظومة الرياضية حتى النخاع، ما يهمنا أن صوت الحق لا يموت، وأن الذين دافعوا عن حق الراحل الشهيد أحمد رفعت جزاهم الله كل الخير هم المبشرون بالفوز العظيم بإذنه تعالى. سلوك هذا الإعلامي والعقاب الذي ناله من الجهة الإشرافية في مصر يجعلنا كإعلاميين حريصين كل الحرص على عدم التجاوز في حقوق الآخرين، عدم تسخير أقلامنا لحساب مصالحنا الخاصة أو مصالح كائن من كان، الوطن فوق كل اعتبار، والمصلحة العامة هي مصلحتنا جميعًا كمواطنين، هذا ما تعلمناه في إعلامنا البحريني المنضبط.
لقد تذكرتها وسأظل، بضع كلمات من صاحب الجلالة مليكنا المعظم: "أتقنوا مهنتكم.. سوف تجنون خيرًا بإذن الله"، هذه الكلمات قالها لي جلالته شخصيًا قبل 17 سنة تقريبًا، ومازال صداها يرن في أذني، اعمل ما عليك، أتقن مهنتك، وكن محايدًا، واكتب بحرية مسؤولة وأنت الرقيب على نفسك وليس أي شيء آخر، لن يعوقك أحد، كلمات ستظل ماثلة أمامي، لا قانون يعرقل، ولا إجراءات استثنائية تقف في الطريق المفتوح، ولا تعليمات مسبقة عن نوعية الكتابة وشكلها، وكيفية توجيه النقد.
وأشهد والله يشهد عليّ، لم أتلق يومًا توجيهًا بأن أكتب كذا أو لا أكتب كذا، فمنظومتنا الإعلامية وطوال أكثر من 40 سنة هي عمري الصحافي في أرض الخلود، تمضي في طريقها شامخة، مرفوعة الرأس عالية الهامة، لا تجاوز من أحد، ولا استغلال نفوذ من مخلوق، لا تطاول إلا في حدود الانتقاد البَنّاء والحيادية، والملاحظات الحقيقية الدقيقة، إعلامنا والحمد لله إعلام صلاح وإصلاح، يستمد روحه الطيبة وأقلامه الشريفة من طبيعة مجتمع التسامح والتعايش والسلام، لا يستمدها من شرير هنا وآخر هناك، من صبغة فضفاضة من هنا وأخرى دخيلة من هناك.
إعلامنا الوطني.. وطني، وصحافتنا الوطنية.. وطنية، صحيح أن طريق المعايشة مع التطور الساحق في الصحافة العالمية مازال طويلاً، وصحيح أن المهاريين لدينا مازالوا على الدرب يحاولون ويحاولون، لكن الصحيح أيضًا أن مشوار الألف ميل الذي يبدأ بخطوة لن يكون نهاية العالم، ذلك أن منظومتنا الإعلامية وجسمنا الصحافي أصبح مرتبطًا أكاديميًا بالجامعات التي تولت تدريس مختلف مواد الإعلام التقليدي حتى الإعلام الرقمي، مرورًا بكل أشكال التعاطي مع الصحافة الإلكترونية، وتلك المرتبطة تاريخيًا بأسس وتقاليد بحرينية لا تخطئها عين، ولا تتخطاها اعتبارات، نعم هذا هو إعلامنا، ليس كاملاً بكل تأكيد، وليس متكاملاً أو خالٍ من العيوب، لكنه بدأ المشوار من أوله، فجميعنا على درب الوصول قادمون.